عرفت السياسة الخارجية المغربية في السنوات الأخيرة، تحولا نوعيا، من حيث تركيزها على البعد العمودي، ونأيها رويدا رويدا عن البعد الأفقي، سواء من خلال إيلاء الأهمية لبعده الإفريقي، أو في بعده الأطلسي. يندرج هذا التموقع فيما يمليه تاريخ المغرب، وجغرافيته، ومصالحه الاستراتيجية .ينبغي القبض على هذا التوجه، أو الإمساك بالقطب، بلغة الملاحة البحرية. نعم موج العلاقات الدولية متلاطم، وبحرها هائج، والرؤية مضببة، والجو مضطرب، لكن لا يتوجب أن نغير الوجهة.
كل ذلك لا ينبغي أن يصرفنا عن التفكير، فيما يخص سياستنا الخارجية، حول المتغيرات، وبخاصة حول مواضيع ثلاثة لها تأثير على سياستنا الخارجية:
أولها الحرب الروسية الأكرانية، ولا ينبغي لموقف بلدنا أن يخرج عن الشرعية الدولية، أولا، ولا لتاريخه الأطلسي، ثانيا، مهما كانت المتغيرات، والتطورات، والإغراءات. ينبغي أن نصطف إلى جانب القانون الدولي، لكي يصطف إلى جانبنا .وينبغي أن نبقى في دائرة توجهنا الاستراتيجي، لأن لا بديل لنا عنه.
وثانيا، علاقتنا بفرنسا، نعم هي علاقة معقدة، وتمر بمنعطف، ولا يبدو أن فرنسا ستخرج معافاة لِما تعرفه من تحولات داخلية، فليست المظاهرات التي تعرفها فرنسا إلا الظاهر من الجبل الثلجي، إذ تعيش هذه القوة الأوربية أزمة وجودية، ستنعكس على مكانتها في العالم .ولا يحسن الجهر بالأمر، ما دام الواقع ينوب عن ذلك .تتوجب قراءة موضوعية للعلاقة المغربية الفرنسية، تغلب عليها الرؤية البرغماتية، من غير صخب، ولا تراشق إعلامي أو دبلوماسي.
وثالثا، التفكير في علاقاتنا بالشرق الأوسط، على ضوء المستجدات التي تعرفها المنطقة، وبالأخص ما تعرفه إسرائيل من اضطرابات، وما تسفر عنه الحكومة الحالية من خطاب يرفض وجود الشعب الفلسطيني، ويُجهز من ثمة على كل المعادلات التي من شأنها تحقيق السلم: الأرض مقابل السلام، وحل الدولتين …وفي ضوء التطورات التي تعرفها إسرائيل، لا يمكن لعلاقتها ببلدنا أن ترقى إلى مستوى السفارة… لا يمكن أن يُنظر إلى اتفاقيات أبراهام، من جانب بلادنا، على أنه شيك على بياض. نعم، إسرائيل حقيقة، والشعب الفلسطيني حقيقة، ولا يمكن القفز عليه وحقه في تقرير، مصيره واجب.
إلى جانب ذلك، تعرف منطقة الشرق الأوسط تحولا من خلال التوجه الجديد الذي رسمته المملكة العربية السعودية، في تطبيعها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، برعاية من جمهورية الصين الشعبية. للسعودية حساباتها وتقديراتها التي هي أدرى بها. ولا شك أن التطبيع مع إيران، برعاية من الصين، تحول جوهري في الشرق الأوسط .ومن العسير التنبؤ حول طبيعة هذا التوجه، أهو تكتيكي أم استراتيجي. والمهم بالنسبة لبلدنا أن يستمسك ببعده الأطلسي، بغض النظر عن حسابات حلفائه في المنطقة.
التفكير حول أمهات القضايا، ليس حذلقة ولا ترفا، ولكن لما لها من انعكاس مباشر على مصالح بلدنا الاستراتيجية، أولها وحدتنا الترابية والبشرية، وثانيهما الارتقاء والتطور.
بيد أن أهم عنصر ينبغي إيلاؤه الأهمية في سياستنا الخارجية هو الجبهة الداخلية .القضايا الاستراتيجية ليست شأنا يناقش على الهواء، ولكن ليست شأنا لا يناقش. يتم ذلك حيث ينبغي أن يتم، في أروقة معينة، وفي مراكز بحثية، ومنها مراكز جادة أخذت تستقطب الاهتمام وتفرض الاعتراف. وينبغي أن يتم ذلك بأسلوب يتسم بالروية، وينطبع بالمسؤولية .ولا يمكن لعاقل إلا أن ينخرط في التوجه الذي يخدم المصالح الاستراتيجية للمغرب .ولا يمكن لأي دولة تحترم ذاتها، أن تستغني عن آراء مكوناتها، فيما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير