فضلا عن دور المغرب ضمن الخريطة الدولية خلال القرن العشرين، فإن عقدين من الوجود الأمريكي بالمغرب، كانت كافية لأن ”تخلخل “بنية المجتمع المغربي وتغيّر من عاداته وتقاليده. في هذا الحوار يوضح الأستاذ المتخصص، محمد مزيان، طبيعة الإنزال الأمريكي ومدى تأثيره على السياسة والمجتمع، من زمن الحماية إلى ما بعد الاستقلال.
قبل أن نخوض في الحديث عن الإنزال الأمريكي بالمغرب سنة ،1942 ماذا كان موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الحماية الفرنسية على المغرب؟
إن الإجابة عن سؤالكم أعلاه يقتضي أولا التذكير بأصول الحضور الأمريكي بالمغرب، حين عملت الولايات المتحدة الأمريكية على بناء ترسانة قانونية لدعم تواجدها بالمنطقة المغاربية والمتوسطية عموما والمغرب على وجه الخصوص، عن طريق توقيع الاتفاقيات الثنائية استهلتها منذ القرن الثامن عشر بتوقيع اتفاقية السلم والصداقة مع المغرب سنة ،1786 كما تم تجديدها وتعديلها سنة ،1836 وأيضا مشاركتها في الأوفاق الدولية: كاتفاقية تسيير منارة رأس أشقار سنة .1865 وكذا مشاركتها في المؤتمرات التي اهتمت بالمغرب كمؤتمر مدريد ،1880 ومؤتمر الجزيرة الخضراء ،1906 وما ترتب عنه من التنصيص على مبدأي المساواة الاقتصادية والباب المفتوح بين جميع الدول الموقعة على “شروط الخزيرات“ .فأضحت الدعوة إلى الباب المفتوح إحدى المعالم البارزة في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية، وأنها مثال لدافع خيِّر تعضده الحيوية والذكاء في خوض المفاوضات، كما عبر عن ذلك جورج كينان (George Kennan) في كتابه عن الدبلوماسية الأمريكية.
وفق هذا السياق، وفي خضم مجريات الأمور، وبعد توقيع معاهدة الحماية، وزعت فرنسا نسخاً منها على مختلف القوى الموقعة على ميثاق الجزيرة الخضراء، التي أعطت موافقتها أواخر سنة 1912 وبداية 1913 بينما تجاهلت الولايات المتحدة الأمريكية الأمر .فأعادت الإدارة الفرنسية إرسال نسخة من المعاهدة في 8 يناير 1913 إلى “نوغيس” وطالبته بالموافقة عليها .إلا أنه صرح في جوابه بتاريخ 22 يناير من السنة نفسها، أن الحكومة الأمريكية ارتأت أن تحصل على تفاصيل كافية تسمح لها بالموافقة على هذه المعاهدة .وعلى فرنسا أن تقدم بعض الضمانات على احترام الحقوق والمصالح الأمريكية بالمغرب، طبقا للاتفاقيات السابقة، وستحظى بالمكانة الاعتبارية نفسها كما في الماضي، فإن الحكومة الفيدرالية على استعداد لإبداء رأيها في الإصلاحات التي تنوي الإدارة الفرنسية إدخالها إلى المغرب، كما تنص على ذلك المعاهدة.
يظهر من خلال ذلك أن واشنطن تحفظت على الحقوق والامتيازات الإسبانية بالمغرب، كيف ذلك؟
لم يكن اعتراض السلطات الأمريكية على هذه الامتيازات بمنطقة النفوذ الإسبانية، لأن هذه المنطقة بحكم الواقع هي تحت سيطرتها، لكن يتعلق الأمر بالحقوق والامتيازات التي تمتعت بها إسبانيا داخل منطقة النفوذ الفرنسي بموجب الاتفاقيات السابقة التي وقعت مع السلاطين المغاربة .بالمقابل، تشبثت الولايات المتحدة الأمريكية بحقوق الحماية لمواطنيها، إذ رغم اعترافها المتأخر بمعاهدة فاس ،1912 إلا أنها استمرت في المطالبة بالحقوق التفضيلية لقناصلها ومواطنيها كما مارست امتيازاتها المخولة لها بموجب المعاهدات السابقة، وظلت تعتبر نفسها “الأمة ذات الأفضلية“. وهو ما تعزز من خلال الإنزال الأمريكي بالشواطئ المغربية، وكذا بعد كسب النزاع الأمريكي الفرنسي حول حرية التجارة بالمغرب.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 97 من مجلتكم «زمان»