استطاع المطبخ المغربي، خلال مرحلة الحماية الفرنسية، أن يقاوم بوصفاته التقليدية وأن يصمد في وجه المتغيرات الوافدة بالرغم من العديد من عوامل الخلخلة فنجح بالتالي في ربح معركة البقاء.
يعتبر المطبخ المغربي مزيجا من المطبخ الأمازيغي المحلي، والعربي الوافد مع الفتوحات الإسلامية والعباسيين الفارين إليه من المشرق، والأندلسي الذي حمله المورسكيون. وفيه إلى جانب ذلك تأثيرات مغاربية وإفريقية ومتوسطية.
كل هذه العناصر استطاعت أن تنسجم وتتجانس فيما بينها لتخلق مطبخا له خصائص تميزه وتمنحه شخصيته المستقلة. ولم يحدث خلال فترة من الزمن ما من شأنه أن يزعزع هذه الشخصية بالنظر لنوع من الانغلاق للبلاد، إلا بعض الجهات الساحلية المحدودة. لكن خلال القرن التاسع عشر وخاصة النصف الثاني منه بدأ يحدث بعض الانفتاح على العادات الغذائية الأوربية، جراء احتكاك أكبر بالأوربيين نتج عن عدة عوامل منها معاهدات تجارية عقدها المخزن مع عدة دول أوربية، وبعثات علمية وعسكرية، وتزايد لأعداد الجاليات الأوربية بالمغرب خاصة بالمناطق الساحلية، وما جلبته من بضائع عديدة ومختلفة من الخارج. لكن هذا التأثير ظل مع ذلك محدودا، ولم يتجاوز بعض الفئات الأكثر تعاملا مع الأجانب.
مع خضوع المغرب للحماية سنة 1912 وقع انفتاح أكبر على المطبخ الأوربي وعاداته وسلوكاته الغذائية، وتعددت قنوات هذا التأثير بدءا من عمال الأوراش وضيعات المعمرين الفلاحية، وخادمات البيوت، ومواد جديدة تدفقت بكثافة على الأسواق، وانتشرت بفعل ما حدث من تطور على مستوى المواصلات. إضافة للأزمات الغذائية التي لم يسلم منها مغرب الحماية، وعلى الخصوص أزمة الأربعينيات من القرن الماضي. فما هو حجم التغيير الذي خلقته كل هذه التحولات الكبيرة، وما مدى تأثير هذا الانفتاح على الغذاء؟ وإلى أي حد تمكنت هذه المستجدات من تغيير خصائص مطبخ تكوّن عبر الزمن الطويل؟
نزهة نجاح
تتمة المقال تجدونها في العدد 5 من مجلتكم «زمان»