على ضوء التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي، ”بات تغيير بعض القوانين الجنائية ضرورة ملحة”، وبلغة وزير العدل عبد اللطيف وهبي: “يستوجب تحريرها من قيود المحافظة”.
منذ تسلمه مقاليد الوزارة، سنة ،2021 لم يهدأ بال عبد اللطيف وهبي حول ما يتعلق بمدونة الأحوال الشخصية والقوانين الجنائية .الوزير القادم من حزب يجمع بين الأصالة والمعاصرة، أي بين الانفتاح والمحافظة حسب أدبياته، يسير بالوزارة وبالمغرب إلى طريق “تحرير القوانين“، وهو ما يثير حفيظة بعض الفاعلين في المجتمع المدني والسياسي من الإسلاميين وغيرهم.
وتبينت حدة المسار التي يتخذه وزير العدل، من خلال خرجاته الإعلامية، الكثيفة مؤخرا، وبالتحديد مشاركته بندوة نظمها “مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة“ التابع لحزبه حول موضوع “الحريات الفردية بين القيم الكونية والثوابت الوطنية“، حيث قال إن: «الحريات الفردية لم تعد ترفا فكريا، بل هو مصلحة وطنية وحاجة مجتمعية لا تتعارض مطلقا مع الدين» .مضيفا أن هناك نزوعا لدى البعض للتدخل في الحياة الشخصية للأفراد، وهو تدخل يتم إقراره بـ«دعوى شرع لله»، أي الوجه المقابل لما يعرف «بشرع اليد، ما يعني الفوضى والفتنة»، حسب الوزير.
يؤمن وزير العدل أن الإنسان المغربي حر في حياته وفي علاقاته وحياته الحميمة، ولا يجب التدخل فيها أو فرض رقابة عليها ما دام مسؤولا عن تصرفاته، وأن مسألة الحريات الفردية هي «من صميم الدفاع عن التنمية الشاملة والمستدامة لمجتمعنا التواق للتقدم والازدهار» .وقد سبق له أن عبّر في أكثر من مناسبة عزمه إلغاء تجريم الجنس خارج إطار الزواج ومراجعة مدونة الأسرة وقانون الإجهاض وتجريم زواج القاصرات.. وغيرها من التعديلات التي أثارت حنق المحافظين.
في المقابل، وقف المحافظون في وجه وهبي، وعبروا بدورهم عن عدم المساس بما «أمر لله به»، وأن ما يعتزم القيام به «يدخل في إطار الإخلال بقيم المجتمع وأخلاقه». وفي مقدمة هؤلاء، يأتي حزب “العدالة والتنمية“، الذي انتقد إصلاحات وهبي في بلاغ جاء فيه أن مراجعة أحكام القانون الجنائي «ينبغي أن تتم في إطار المرجعية الإسلامية والتوافق الوطني». كما هاجم مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي لوجدة، الدعاوى الحقوقية التي تدافع عن ضرورة تعديل القوانين المتعلقة بالحريات الفردية.
يبدو أن وهبي يجد مقاومة تيار سبق له أن استعرض قوته في الشارع بخصوص تعديل القوانين المتعلقة بالأسرة، لكن وهبي يتشبث، من جهته، بأن إصلاح منظومة الحقوق والحريات «سيتم من خلال احترام الثوابت الدستورية للمملكة»، مع العلم أن حالة الاختلاف «ستدفعنا إلى الاحتكام لمؤسسة إمارة المؤمنين تحقيقا لمقاصد الدين الكلية».
صحيح أن وزير العدل يواجه هذه الإكراهات الخارجية، لكنه في المقابل سبق له الاعتراف أن هناك عوائق «بين جنبيه» يعمل على تجاوزها؛ إذ عبّر بلسانه أن «وزارة العدل مؤسسة محافظة، ومن الصعب إدخال كل ما هو حداثي، إما على مستوى التقنية أو على مستوى القوانين».