واجهت امرأة مغرب أواخر العصر الوسيط عقبات كثيرة في سبيل التمتع بجسدها، أسهمت في ذلك عناصر عدة ومتنوعة منها ما هو مادي، ومنها ما ارتبط بعقليات العصر.
أكدت مصادر المرحلة سكن مراتب عدة من المجتمع المغربي أواخر العصر الوسيط في دويرات، وحوانيت، وخيام، وقياطين، وكهوف، وأكواخ، وأخصاص… وعرفت كثير من الدور المغربية اكتظاظا وتكدسا، خلقا ظروف إقامة غير سوية، خاصة مع استمرارية نوم الأطفال مع الآباء في غرفة واحدة حتى طفولتهم المتأخرة أو شبابهم.
سلوكات دينية واجتماعية
كان للفقر الذي عاشته العديد من الأسر المغربية انعكاسات سلبية على الحياة الزوجية. فتردي الأوضاع السكنية غيَّب ظروف إقامة علاقة جنسية سوية بين الزوجين، وقلل من حظوظ اختلائهما واستمتاعهما بجسديهما، ووضع عقبات أمام ذلك الاستمتاع، وأضعف بالتالي من إشباعهما الجنسي. فهذا الإشباع لا يتم في غياب ممارسات جنسية كاملة، ولطيفة، ومتنوعة، وهذه الممارسات نفسها تستدعي تعرية الجسد، وهو أمر كان يستحيل بسبب غياب فضاء خاص بالزواج، حتى غدا السكن عامل حرمان وكبت. وزاد فقهاء العصر من تعقيد الموضوع، وإن كنا نجهل مدى التفاعل مع آرائهم، فقد رأى بعضهم أنه «من السنة ألا يجامع الرجل زوجته إلا والبيت خال». ويكره على الرجل «أن يطأ امرأته في ليل ومعه في البيت صغير أو كبير». وهذا وذاك ما لم يتوفر للعديد من الأزواج.
هكذا أفرزت أوضاع مراتب عدة من المجتمع قلقا جنسيا، أصبح معها النشاط الجنسي فعلا تفريغيا، غايته التخلص من الطاقة الغريزية. فالشروط التي تم فيها الفعل الجنسي بين غالبية الأزواج لم تسمح بعلاقة جنسية كاملة، وبكل الشبق واللذة. وقد كان من شأن هذه الاعتبارات التأثير بشكل كبير في الحياة اليومية للإنسان المغربي عصرئذ، وعلى حالته النفسية والعقلية والاجتماعية، وإن كنا «نجهل» كيفية تحويله للطاقة الجنسية غير المستغلة.
لم يكن السكن العائق الوحيد أمام المرأة للاستمتاع بجسدها ومن ثمة بجسد زوجها، بل أسهمت بعض السلوكات الدينية لبعض أفراد المجتمع في ذلك، فقد عرف عن العديد من المتصوفة، بما فيهم المتزوجون، سياحتهم ودخولهم في خلوة واعتكاف جعلهم يحرمون أجسادهم من متعة الفراش، وبالتالي حرمان أجساد زوجاتهم من المتعة نفسها نتيجة الغياب الفعلي أو الغياب في ظل الحضور، فأبو يعقوب البادسي، ظلت زوجته بكرا لمدة ثلاث سنوات، ولم يعاشرها إلا خوفا من سخط والدته بعد أن كان متفرغا للعبادة!
لقد استنكر أحمد زروق هذا النوع من العبادة، وما كان يترتب عنه من إضرار بالزوجات. كما استنكر سلوك بعض المريدين الذين كانوا يستأذنون في الجماع، وعَدَّ ذلك «مصيبة»! وانتقد نوم بعضهم بالحزام، «وهذا مخالف لسنة التجرد من الثياب، ومضر للزوجة»، لأن من مقومات الإشباع الجنسي العراء التام، وهو أمر يستحيل في ظل هذا السلوك.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 16 من مجلتكم «زمان»