حفزت عوامل سياسية وجيو-استراتيجية ودينية المنصور السعدي على خوض مغامرة غزو بلاد السودان التي وصفتها الأدبيات الدعائية الرسمية المغربية بـ”الفتح” مشيرة إلى جيوب المقاومة السودانية بـ”العمليات التخريبية”.
إذا كانت عملية غزو السودان قد روفقت بحملة دعاية كبيرة لإضفاء الشرعية عليها، فإن فوائدها كانت ضئيلة على المستوى الاقتصادي وحتى الإيديولوجي، واقتصرت آثارها على تحسين الموقع التفاوضي والصورة الخارجية لأحمد المنصور والمغرب أمام الإمبراطوريات العظمى حينئذ. سعى السعديون، منذ تأسيس دولتهم، إلى البحث عن موارد جديدة تمكنهم من توطيد أقدامهم وكذا تطوير الاقتصاد المغربي. حيث استغلوا قصب السكر في سوس وغيرها من الثروات الزراعية والمعدنية، كما حاولوا مبكرا استغلال ثروات الصحراء الجنوبية وعلى رأسها مناجم الملح الغنية في تغازى، إلا أن ملك السودان لم يستجب لدعوات الحاكم الثاني لسلالة السعديين أحمد الأعرج.
وكرر بعده محمد الشيخ المحاولة سنة 1544، غير أن الملك السوداني الأسكيا إسحاق رفض، مرة أخرى، الطلب المغربي للتنازل لهم عن معادن تغازى حيث يستخرج الملح. وأمام هذا الرفض، بدأ السعديون يوقنون أن السبيل الوحيد لإعادة إحياء تجارة القوافل هو السيطرة على المجال الذي تحكمه إمارة سنغاي عسكريا. وقد خاض محمد الشيخ، في نهاية حكمه، محاولات لذلك، لكن لن تؤدي إلى نتائج، قبل أن يتلقف ابنه وخليفته أحمد المنصور مشروعه، ويضيف إليه دوافع ومحفزات أخرى للذهاب في مشروعه التوسعي.
هكذا، استغل المنصور الوضع الهش لمملكة برنو وفرض على ملكها إدريس الثالث إعلان البيعة للخلافة السعدية مقابل وعد الحصول على دعمه العسكري بالسلاح. غير أن المنصور لم يفعل ذلك في حقيقة الأمر إلا للمناورة، وانتهج المماطلة متخذا أعذارا مختلفة. وهكذا، ستكون طاعة مملكة برنو للسعديين إحدى المنطلقات الهامة التي ساعدت المنصور على المضي قدما في سياسته التوسعية في الصحراء وبلاد السودان.
عماد استيتو
تتمة المقال تجدونها في العدد 65 من مجلتكم «زمان»