تحتل الأم، في كل المجتمعات ومنذ القديم، حجر الزاوية داخل الأسرة لتربية الأبناء وحمايتهم. ولم يشكل المجال المغربي استثناء، إذ حظيت الأم بوضع اعتباري في وسطها القبلي، استمدته من الأدوار التي اضطلعت بها داخل البيت والعائلة .ففي صنهاجة، إحدى أكبر القبائل الأمازيغية، تمتعت الأم بمكانة رفيعة ورثتها من “بقايا مرحلة تاريخية مرت منها الإنسانية في تطورها، وهي مرحلة سيادة المرأة في الأسرة، والمعروفة بالأسرة الأميسية”، إلى درجة أن جميع الصنهاجيين ”لا يسمون الرجل إلا بأمه فيقولون ابن فلانة ولا يقولون ابن فلان”، كما ذهب أحمد النويري، في كتابه ”نهاية الأرب”. ولم يزحزح مجيئ الإسلام من هذه المكانة الاعتبارية للأم المغربية، ما يعني أن انتشار الإسلام لم يجتث كل مميزات المجتمع الأميسي لدى الأمازيغ التي انطبعت في عدد من الأساطير .ثم أن كثيرا من فقهاء المالكية أفتوا بثبوت الشرف من قبل الأم كما الأب، مستندين إلى ما جاء به الدين والشرع. وقد عرف المغرب، عبر تاريخه، زوجات وأمهات سلاطين مارسن الحكم بشكل مباشر أو من وراء حجاب، وشاركت بعضهن في الحفاظ على عرش أبنائهن. يتطرق هذا الملف، الذي تعرضه عليكم ”زمان”، إلى الأدوار التي اضطلعت بها الأمهات المغربيات منذ القديم، وكيْف كَيّف المغاربة الإسلام مع أعرافهم حتى تستمر الأم في الحفاظ على مكانتها، قبل أن يتم تغييبها، في وقت ما، رغم كل هالات التقديس التي أحيطت بها.
ظهرت المسؤولية التربوية لبعض الأمهات أيضا في حرصهن على توفير الحماية لأولادهن، سواء حمايتهم من بعض الأمراض، أو مما كان يترتب عن الظروف المضطربة أمنيا، حتى لو استدعى الأمر الفرار بهم من مكان إلى آخر… ولم تكن الأمهات الحريصات على حماية أولادهن ليقبلن تهاون الأزواج في توفير تلك الحماية، مما أثر سلبا على علاقتهن بأزواجهن، ومن أبرز النماذج في هذا الباب ما ذكرته بعض المصادر الموحدية من طرد مجموعة من الأمهات لأزواجهن من بيوتهم، بعدما عجزوا «عن افتكاك أطفالهم من أيدي السلطة الموحدية التي أسرتهم، نكاية على تمردهم ومساندتهم لأحد الثوار». ورغم مجهود الأمهات لتربية أولادهن، فقد شكك بعض الفقهاء، أمثال ابن الحاج، في قدراتهن التربوية، منطلقهم في ذلك، على ما يبدو، إيمانهم بجهلهن وعدم تشربهن للدين وفق تصور الفقهاء، وكذا استنادا إلى نماذج من الحياة المعاشة التي أثبتت عجز بعض الأمهات على تربية أولادهن، بل الإسهام في تربيتهم تربية غير سليمة من قبيل إحاطتهم بالتمائم، وتغذية عقولهم بالخرافات…
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 112 من مجلتكم «زمان»