عندما يثار الحديث عن علاقة الدولة الموحدية بالمذهب المالكي وفقهائه، يتشكل انطباع أولي أن العلاقة بين الطرفين حكمها التوتر والتنافر بفعل تبني الدولة الموحدية، التي أقامت دولتها على أنقاض دولة المرابطين المالكية، لإيديولوجية جديدة صاغها عراب مشروع الدولة المهدي ابن تومرت .فإلى أي حد يمكن التماهي مع هذا الانطباع؟ وهل يصمد أمام البحث الدقيق في الموضوع؟
أثبتت العديد من الدراسات التاريخية الرصينة أن الانخراط الصريح في المذهب المالكي، لم يحل، في الغالب، دون نيل عدد من فقهاء المالكية حظوة لدى حكام الموحدين .فكيف تمظهر هذا الحضور؟ وهل سار على الوتيرة نفسها طوال تاريخ الدولة الموحدية؟
بديهي أن الدولة الموحدية، وهي ترث تركة الدولة المرابطية التي كانت تسيطر على مجال شاسع يشمل المغرب الأقصى والأندلس وقسما من المغرب الأوسط، أن تجد نفسها مضطرة للاستعانة بأطر الدولة السابقة في تسيير دواليب دولتها، لخبرة هؤلاء في التسيير من جهة، ولعدم توفرهم، زمن البدايات، على أطرهم الخاصة من جهة ثانية، ومعلوم أن أغلب أطر الدولة السابقة شُكِّلوا من فقهاء المالكية.
ويبدو أن الفقهاء المالكية أقبلوا، من جهتهم، على تولي مناصب في جهاز الدولة الموحدية ليمارسوا نوعا من الرقابة على تسيير شؤون الدولة، وليؤكدوا حضورهم في تدبير قضايا المجتمع، مما يزيد من إعلاء مكانتهم الدينية والدنيوية. وهكذا تولى عدد من فقهاء المالكية المبرزين في علم الفروع والفتوى وفق المذهب المالكي خطة القضاء في عدد من الحواضر المغاربية والأندلسية، وهم المتمرسون بهذه الخطة منذ زمن المرابطين .ولم يقتصر تقلد هؤلاء الفقهاء لهذه الخطة في بدايات الدولة الموحدية، بل استمر طيلة العصر الموحدي، اللهم فترة قصيرة زمن الخليفة يعقوب المنصور على ما يبدو، حتى إن قضاة الجماعة خلال هذا العصر، والذين يربو عددهم على العشرين، كان أغلبهم مالكية باستثناء ثلاثة منهم كانت لهم صلة ما بالمذهب الظاهري.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 111 من مجلتكم «زمان»