جاء ميلود لبيض من قرية مهمشة لم يتعلم فيها القراءة والكتابة، لكنه استطاع أن يرسم لنفسه، في العاصمة الرباط، مسارا جعله في طليعة الفنانين التشكيليين المغاربة.
لم يكن ميلود لبيض يحلم، أبدا، أن يكون رساما. بل كان حلمه ببساطة، وهو الذي خانه الحظ في أن يلج المدرسة للتعلم والترقي الوظيفي والاجتماعي، أن يمتهن أي شيء لضمان العيش ومساعدة الأم والإخوة بعد غياب الأب البيولوجي .هكذا، وجد هذا الفتى المولود سنة 1939 بدوار أولاد يوسف نواحي قلعة السراغنة، نفسه يُقْبل على الاشتغال في أي شيء بعدما حط الرحال رفقة عائلته الصغيرة بمدينة سلا في بداية خمسينات القرن الماضي.
من الحلاقة والبستنة إلى الرسم
اشتغل ميلود لبيض، أولا، في صالون للحلاقة كمنظف، وهناك بدأ يتعلم كيف يداعب المقص، ثم عمل بستانيا، وكان يقصد إقامات العائلات البورجوازية المغربية والمعمرين الأثرياء لتزيين حدائقهم بإتقان وتقديمها في أبهى لوحة، أو كما يقول الناقد التشكيلي فريد الزاهي: «صار ميلود البستاني يشتغل هنا وهناك في حدائق العائلات الأجنبية والبورجوازية .يصوغ حدائقها كما لو كانت لوحة، يداعب ألوان الشجر ويصوغ تفاصيلها وتوشيجاتها وتآليفها .وفي خضم هذه الحرفة، اكتشف ولعه بالرسم والتشكيل». لكن قبل أن ينتقل إلى “حرفة“ حياته، يذكر محمد لبيض ابن شقيقه أن عمه اشتغل، أيضا، في ورشة لصناعة الفخار في ولجة سلا، حيث كان مكلفا بالرسم على الخزف. «داخل تلك الورشة بالذات، وقعت عينا الفنانة الفرنسية جاكلين برودسكيس عليه وهو يرسم. والباقي تعرفونه»، يقول محمد لبيض، في إشارة لاحتضان برودسكيس لعمه غداة استقلال المغرب. في تلك الأثناء، بدأت حياة “السي ميلود“ تنقلب رأسا على عقب.
عمر جاري
تتمة المقال تجدونها في العدد 55 من مجلتكم «زمان»