في الوقت الذي تتصارع فيه الدول الكبرى، صراعا سياسيا أو عسكريا، يترقب المغرب مصالحه وعلاقاته الدولية في خضم الأحداث الجارية. لكن مثلما اعتاد في سياسته الخارجية، فإنه لا يفرط في قضيته ومبادئه الأساسية.
في يوم 13 يونيو، أعلنت إسرائيل عن اغتيال بعض قادة الجمهورية الإيرانية ضمنهم علماء في الفيزياء النووية، وذلك في إطار ما أسمته بمسلسل تصفية أعدائها في المنطقة .لم يمر الحدث مرور الكرام، بل شكل تصعيدا وتحولا إقليميا، بحيث ردت إيران هذه المرة بصواريخ بلغت وسط تل ابيب، لتنطلق معركة الصواريخ بين الطرفين .وهو تطور خطير ليس على منطقة الشرق الأوسط، بل كاد أن يجر العالم إلى حرب متعددة الأطراف. على إثر ذلك تدخل الرئيس الأمريكي ترامب، وبعث طائراته لقصف منشآت نووية داخل إيران من أجل ردعها والحد من تماديها. ثم أعلن مباشرة بعد ذلك عن اتفاق يفضي إلى إيقاف تبادل الصواريخ وإنهاء الحرب. لقد أنهى ترامب «لعبة الصواريخ» لكن الحرب لم تنته كما صرح ترامب نفسه. في هذا الإطار ظلت الدول العربية منذ انطلاق الحرب الإيرانية الإسرائيلية، تترقب ما ستؤول إليه الأحداث، ولم يقتصر الأمر على الدول القريبة من بؤرة الحرب، بل جميعها، فالعالم متصل بشبكات ومصالح دولية تتعثر بتعطل أحد قنواتها .المغرب بدوره متضرر من تقلب الأوضاع هناك، لكنه لم يعلق بشكل رسمي وظل يترقب الأوضاع إلى أن استهدفت الصواريخ الإيرانية قاعدة أمريكية على الأراضي القطرية .فأصدر بلاغا استنكاريا يدين «الهجوم الصاروخي السافر الذي استهدف سيادة دولة قطر الشقيقة ومجالها الجوي». وذكر بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، «أن المملكة المغربية تعبر عن تضامنها التام مع دولة قطر الشقيقة إزاء كل ما من شأنه ان يمس أمنها وطمأنينة مواطنيها». جميع الدول العربية التي راقبت يوميات الحرب، تربطها بالدولتين المتصارعتين علاقات ومصالح آنية، وبعضها يتقرب إلى إحداها والآخر يعادي الأخرى. المغرب تجمعه علاقات تاريخية كذلك .وجمعته محطات دبلوماسية تارة، وخصومات سياسية وإيديولوجية تارة أخرى؛ بسبب قضيته الأساسية: التراب الوطني. فهو من بين الدول الموقعة اتفاقا ثلاثيا مع إسرائيل وأمريكا، وسبق له أن قطع علاقته مع إيران. لكن المغرب في سياسته الخارجية لطالما اختار ألا يميل إلى كفة كل الميل، ففي عز الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي زمن الحرب الباردة، اختار إمساك العصا من وسطها، رغم ميله قليلا إلى جهة كلما مالت الريح بتلك العصا .إن الصراع بين قوى كبرى كان يضع المغرب دائما في «مواقف حرجة»؛ ففي الوقت، الذي كان يجامل الاتحاد السوفياتي، ظلت الأراضي المغربية تستضيف القواعد الامريكية. ولم يكن المغرب يميل إلى المعسكر الليبرالي في سياسته الاقتصادية فقط، بل كان حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة الامريكية، ووسيطها في بعض القضايا العالقة في الشرق الأوسط، مثل ملف الصراع العربي الإسرائيلي. لكن رغم ذلك كان للمغرب ملفاته ومبادئه الخاصة التي لم يتنازل عليها، منها مخاصمة كل من يدعم جبهة البوليساريو، كما حدث خلال زمن الرئيس جيمي كارتر حين تعاطف بعض أعضاء حزبه من الحزب الديمقراطي مع البوليزاريو، بل وزيارة مخيمات تندوف. وكذلك مقاطعة المغرب لكوبا ومخاصمة ليبيا وسوريا حافظ الأسد.. اليوم، يحافظ المغرب على نفس المبدأ، بل وينظر إلى صداقة الدول وشراكاتها بنظارة الصحراء المغربية.