شهدت مدينة العيون يوم 10 أكتوبر سنة 2010 واحدة من أبرز المحطات التي طبعت مسار النزاع حوا الصحراء المغربية، وذلك إثر تفكيك مخيم اكديم إيزيك وما تبعه من مواجهات دامية، وما تلا ذلك من محاكمات المتهمين في جلسات حظيت بمتابعة وطنية ودولية واسعة، في هذا الحوار يسلط المحامي والحقوقي نوفل البعمري الذي انتصب للدفاع عن الحق المدني في هذه المحاكمة الضوء على ما وقع في ذلك اليوم، وسياقاته وأسبابه وخلفياته، وكيف جرت أطوار محاكمة المتهمين، وتداعيات الحدث على ملف الصحراء المغربية، في محاولة لتقريب القارئ من كواليس ملف ما يزال يلقي بظلاله على الراهن السياسي والحقوقي.
يوم 10 أكتوبر ،2010 نصب حوالي 173 مواطنا من سكان مدينة العيون أربعين خيمة خارج المدار الحضري للمدينة، فيما عرف ب”مخيم أكديم إزيك”، محتجين على حرمانهم من بطاقات الإنعاش الوطني، ومطالبين بتحسين وضعهم الاجتماعي، نريد أن تحدثنا عن نقطة البداية، وكيف كانت نشأة هذا المعتصم؟
الأحداث التي شهدها مخيم اكديم إزيك التي راح ضحيتها 11 ضحية من افراد القوات العمومية من دركيين وقوات مساعدة ووقاية مدنية، هي مرتبطة بالمعتصم الاحتجاجي الذي نظمه بعض الأهالي من أبناء العيون و الذين قرروا التوجه لخارج المدينة في اتجاه شرقها بحوالي 12 كلم قصد إنشاء معتصم يرفعون فيه مطالب اجتماعية، اعتُبرت عادلة في ظل السياق الذي كانت تشهده المنطقة من اختلالات اجتماعية ، وهو ما دفع السلطات العمومية إلى التعاطي معه بشكل إيجابي لاقتناعها بداية بكونه معتصماً ذا خلفية اجتماعية، لكن المخيم تحول من معتصم إلى تجمع متحكم فيه ومسيطر عليه وعلى جل مفاصله بتنظيم محكم حتي بات للمخيم ما يسمى بالوالي، هنا شهدت مطالب لجنة الحوار تغيرا في مضامينها و لغتها، وقد سجلت عدة تقارير حقوقية أنه حدث في مرحلة من مراحل المخيم انفصال ما بين المعتصمين الذي انتقلوا بداية نحو المخيم للمطالبة بمطالب اجتماعية، وبين لجنة الحوار التي أصبحت لغتها ولغة العديد من أعضائها على مستوى الإعلام الدولي لغة سياسية ذات مطالب تعجيزية، أولا لكون أغلبها كان يرتبط تحقيقها بمدى بعيد و متوسط، ثانياً ذات حمولة سياسية تتقاطع مع البوليساريو الذي تسللت عناصره للمخيم، خاصة ممن كانوا قد تلقوا تدريبات بالمخيمات وبجامعة بومرداس التي كانت تنظم بالجزائر ويشرف عليها عناصر مليشياتية عسكرية تابعة للبوليساريو والعسكر الجزائري، وهي التي وثقتها الشهادات والتسجيلات تتحرك داخل المخيم بشكل أقرب منه لكومندو عسكري وليس لمدنيين معتصمين.
ذهب ممثل النيابة العامة في مرافعته أمام محكمة الاستئناف بسلا إلى أن عددا من المعتصمين كانوا على تواصل مسبق مع قياديي جبهة البوليساريو، وأن رئيس المخيم أسفاري النعمة حاول إقامة المخيم قبل ذلك بمناطق مختلفة، وأنه حضر عدة اجتماعات بالجزائر قبل ذلك، فهل يتعلق الأمر برأيك بحركة احتجاجية اخترقتها عناصر البوليساريو، أم أن فكرة إنشاء المخيم كانت بخلفية انفصالية كما تقول النيابة العامة؟
المخيم كان في بدايته مخيماً ذا طبيعة اجتماعية، لكن تسلل المليشيات التي كانت تابعة للبوليساريو للمعتصم و تحكمها فيه، اتجه بالمعتصم ككل نحو التأزيم، و إلى أن ينتهي لما انتهى إليه، خاصة وأن العناصر التي سيطرت على المخيم كان قد تلقى أغلبها تدريبات بجامعة بومرداس، و يعتبرون من خريجيها، و هم الذي تدربوا على ما يسمى (بالمقاومة المدنية)، و هي الخلفية التي تجد امتداداتها في ما شهدته المنطقة العربية من أحداث مرتبطة بما سمي بالربيع العربي، حيث أن العديد من القراءات التي قدمت لهذه الأحداث هو أنها لم تكن معزولة عن هذا السياق الإقليمي الذي كان يهدف إلى إعادة تقسيم المنطقة و إدخالها في ما عرف بالفوضى الخلاقة. وبخصوص ما تم الترويج له من كون النعمة أسفاري لم يكن متواجداً بالمخيم كدليل على براءته، فهناك عدة فيديوهات له تناقلتها وسائل إعلام دولية وهو يدلي بتصريحات سياسية من داخل المعتصم، كما أن مجموع الشهادات التي تم تجميعها أثبتت تورطه فيها من خلال كونه كان محرضاً أساسياً فيما انتهى إليه المخيم من أحداث راح ضحيتها أفراد القوات العمومية.
حاوره محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة الحوار تجدونها في العدد 139 من مجلتكم «زمان»