يحتضن “متحف بوشكين للفنون الجميلة” في العاصمة الروسية موسكو، حتى الحادي والعشرين من يونيو المقبل، معرضا استعاديا تحت عنوان “من دورر حتى ماتيس”.
ويعرض المتحف مئة وسبعين لوحة تغطّي مراحل مختلفة من الفن الأوربي خلال خمسة قرون، بدءا من أعمال الفنان الألماني آلبرخت دورر (1471 – 1528) إلى الفرنسي هنري ماتيس (1869-1954). وحسب مسؤولي المعرض، فإن هذه الأعمال “تعكس صورة شاملة للتقنيات المستخدمة في التيارات الأساسية، وتغير جماليات الرسم ضمن تسلسله الزمني في محاولة لفهم تراكم النظريات والممارسة الفنية على مر العصور”.
ويقود المتحف زواره في جولة افتراضية لمشاهدة أعمال فنانين كبار لم يرسموا، فقط، من أجل المتعة وضمان سبل العيش، وإنما أرخوا للمرحلة بلوحات تشهد على الحياة اليومية للمجتمع الذي كانوا أحد أفراده، وأيضا للمجتمعات التي وجدوا أنفسهم، ذات يوم، يعيشون بين ظهرانيها.
من بين هؤلاء الفنان الفرنسي هنري ماتيس الذي زار طنجة لأول مرة يوم 29 يناير 1912. وصادف وصوله تهاطل أمطار غزيرة جعلته يحس باستياء بالغ، وهو الذي اختار الهروب من برودة جو فرنسا.
“يا إلهي، ما الذي سأفعله؟ سيكون الأمر سخيفاً لو قررت العودة. إن الإضاءة في طنجة رائعة، لكن الطقس سريع التحول”، يقول ماتيس في رسالة إلى صديقه ماركيت. لكن سرعان ما استعادت سماء طنجة صفاءها الطبيعي، حينها شعر بغبطة كبيرة دفعته إلى الكتابة لصديق آخر: “إن الضوء هنا ناعم للغاية، إنه شيء آخر غير الذي اعتدناه في شمال حوض المتوسط”.
استمر مقام ماتيس في طنجة حتى 14 أبريل 1912، أبدع فيها لوحات، استقبلها النقاد بحفاوة كثيرة، وهناك من اعتبرها “مؤثرة سواء في بعض مراحل مسار ماتيس، أو في ملامح تطور الفن الأوربي خلال مطلع القرن العشرين”.
لم يدم غياب ماتيس عن ضوء طنجة “الناعم للغاية” طويلا، إذ عاد يوم 8 أكتوبر 1912. وظل طيلة مقامه، حتى منتصف فبراير 1913، لاهثا وراء تلك الفضاءات العذراء التي أبعدته عن “المدرسة التوحشية” التي كان أحد مؤسسيها في أوربا.
“كان ماتيس يبحث عن الجميل الثابت، لأنه كان يميل إلى الرسم وفقا لنموذج، مثل حال جميع الانطباعيين، إلا أنه اختلف عنهم ببحثه عن إضاءة ثابتة، وحدس أن المناخ الأفريقي قد يوفرها له”، المفكرين يقول بيير شنايدر، الباحث الفرنسي في تاريخ الفن.
هناك من النقاد من يرى أن مجيء ماتيس إلى طنجة اندرج في إطار انخراط والمثقفين والرسامين في الترويج للأهداف الاستعمارية لحكومة بلدهم، خاصة وأن زيارته جاءت غداة توقيع الحماية.
غير أن ماتيس ينفي ذلك، مشددا على أنه كان منهمكا “في البحث عن ذاته عبر سعيه نحو أنماط فنية مختلفة”.