خلافا لبعض التأويلات الدينية المتشددة حول «حكم» الشرع في الموسيقى والغناء، يبدو أن بعض الفقهاء المغاربة طوروا اجتهادات منفتحة بهذا الخصوص، بلغت حد اعتبار تعلم الموسيقى مقترنا بتعليم القراءة، في المسجد، وذلك خلال عهد الدولة المرينية. «ازدهر فن الموسيقي والغناء في هذه المرحلة حتى إن بعض الفقهاء لم يترددوا في الانتقال بالموسيقى من مستوى الأداء داخل المجتمع إلى مستوى المعرفة والتعليم والتلقين داخل المؤسسات التعليمية. وابن دراج السبتي كان أحد الأمثلة البارزة على التعامل مع الموسيقى كعلم ينتفع به مثل باقي العلوم الدينية والدنيوية»، كما يفيد حسن نجمي في مؤلفه «غناء العيطة: الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية في المغرب». يحيل نجمي على محمد بن غازي العثماني (1437/1513م)، إذ يشير في كتابه «الروض والهتون في أخبار مكناسة الزيتون» إلى أن «الأستاذ أحمد الغماز أحد مشايخ مكناس جمع بين تدريس علم القراءة وعلم الموسيقى داخل المسجد»، وأنه كان «شديد الحفظ وكان أستاذ الإقراء وأستاذ الغناء، وكان له تلامذة يحسنون الصناعتين».
يعتقد نجمي أن تدريس مادة الموسيقى والغناء، بوصفها علما، في مختلف أماكن التعليم والتربية بما فيها المساجد والجوامع، لم يكن يثير حفيظة أحد في البداية. لكن عندما بدأ بعض المشايخ – يضيف نجمي – ينفتحون على بعض مظاهر التعبير الموسيقي والشعري الشفوي الذي لم يكن يصنفه أفراد النخبة التقليدية إلا في باب «المناكر»، بدؤوا ينكرون «اقتحام» الموسيقي لبيت الله. يحيل نجمي على نوازل فقهية واردة في كتاب النوازل لعيسى بن علي الحسني العلمي، ومخطوط للفقيه أحمد المرنيسي (توفي سنة 1860م) توضح هذا النقاش الفقهي حول الموسيقى في المساجد.