ما يزال الحديث عن تاريخ برغواطة موضوعا محيرا, ويشكل إحدى المحطات الغامضة في تاريخ المغرب. ولكشف أسباب ظهور البرغواطين وانتشارهم وما هو دينهم وأنبياؤهم وعاداتهم، ثم كيف تمت “إبادتهم”، يجيب أستاذ التاريخ بجامعة الحسن الثاني، أحمد سراج، عن هذه الأسئلة ويضيء جوانب أخرى من هذا التاريخ الغامض.
هل لكم أن تقدموا لنا -بشكل مقتضب- السياقات التاريخية التي سمحت بنشأة إمارة البرغواطيين؟
كان ظهور البورغواطيين وليد فترة مخاض عرفها المغرب الكبير وغرب المتوسط عموما. وهي فترة تدافع بين مجموعة من القوى في خضم التحولات التي كان يعرفها المجال المتوسطي. لا ننسى أنها كانت فترة انتشار الإسلام واندفاع العرب الذين تمكنوا، في ظل الخلافة الأموية، من الوصول إلى شمال إفريقيا التي لم تكد ساكنتها الأمازيغية تخرج من نير الاحتلال الروماني والبيزنطي والوندالي. لقد ساهمت تجربة القبائل الأمازيغية مع الرومان على وجه الخصوص في تطوير طرق عدة لمواجهة المحتل ومقاومته، بما في ذلك استخدام البعد العقائدي كعنصر من عناصر الدعاية والاستنهاض. فالحركة الدوناتية التي نشطت في شمال إفريقيا كانت إحدى أهم الحركات التي نشأت في إطار المسيحية وأثرت على مسارها وكذا على مسار الإمبراطورية الرومانية. تلا ذلك ظهور دعوات عدة، بعد انتشار الإسلام، ذات طابع ديني في العديد من الجهات وخاصة في المغرب، منهم المتنبئون ومنهم الفارون من ضغط الخلافة في المشرق.
هل يمكن أن نعتبر أن أحد أهم أسباب ظهورهم هو عدم تحقيق الأمويين للوعود التي وعدوا بها القبائل الأمازيغية خلال توسيع نفوذهم بشمال إفريقيا، وأن هذا الظهور هو رد فعل على تعسفات الأمويين؟
جاءت نشأة بورغواطة كوحدة سياسية ذات مذهب في الأصل كنتيجة للمواجهة بين القبائل وبين السلطة الأموية. لقد كان قيام حركات مناهضة للخلافة أحد ردود الفعل ضد التوسع الأموي وسوء تدبير الدولة الأموية لشؤون الرعية في المغرب، فقد انخرطت في سياق الصراعات السياسية والمذهبية التي عرفها المشرق وخاصة حركة الخوارج التي حاولت أن تتحالف مع القوى المحلية في البداية وتؤطر تحركها. لكن يبدو أن تلك المحاولات لم تنجح خاصة بعد هزيمة بقدورة قرب القيروان سنة 741. سينزوي طريف بتامسنا ليؤسس إمارة مستقلة في المنطقة عرفت في المصادر التاريخية باسم “برغواطة”.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الملف تجدونها في العدد 77 من مجلتكم «زمان»، مارس 2020