انشغف أنطوان دو سانت إكزوبيري بالعمل في البريد الجوي، غير أنه اكتشف ذاته في الصحراء المغربية التي سحرته طويلا، وفيها جمع بين حبين: الطيران والأدب.
حل الطيار الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري بطرفاية، لأول مرة، في أواخر أكتوبر 1927، غداة تعيينه رئيسا لمطار واقع في خليج طرفاية خاص بالبريد. وهناك، وجد هذا الشاب المتحدر من إحدى العائلات الأرستقراطية الكبرى نفسه داخل كوخ غير مريح وسط القبائل المغربية المتمردة.
كان دو سانت إكزوبيري يشتغل لحساب شركة طيران فرنسية تنشط في نقل البريد، ما بين فرنسا والمغرب والسينغال، قبل أن تمدد خطوطها إلى كل من البرازيل والأرجنتين والشيلي. لم يكن دو سانت إكزوبيري قد اكتشف ذاته ككاتب، كما يعرفه العالم اليوم. كما لم يكن يتوفر على تجربة كبيرة في الطيران، غير أن شغفه بالتحليق في السماء بدأ في الوقت الذي كان يبلغ 12 سنة، حين أقنع طيارا في أحد المطارات الصغيرة، بأخذه معه في رحلة جوية. وحينها، كتب أول أشعاره. بمجرد حصوله على شهادة البكالوريا، سارع دو سانت إكزوبيري إلى أخذ دروس في الطيران، كان يؤدي مستحقاتها بنفسه. وبسرعة، أبدى مهارة في القيادة، لكن دون أن يكمل كل الدروس، سقط بطائرة التعليم على الأرض، ومن حسن حظه خرج سالما، فخاطبه معلمه قائلا: «أنطوان. لن تموت أبدا في الطائرة». مع ذلك، كان دو سانت إكزوبيري يبدو، في رحلاته الأولى، شارد الذهن، إذ كان يحلق أحيانا، طويلا، على مدرج الهبوط، لأنه منشغل بإنهاء قراءة فصل من كتاب حمله معه على متن الطائرة.
الدار البيضاء أولا
اكتشف دو سانت إكزوبيري المغرب في يوليوز 1921، حين التحق بالفوج السابع والثلاثين للطيران الحربي في الدار البيضاء، قصد الحصول على شهادة طيار عسكري. لم تدخل المدينة التي بدأت تكبر، حينئذ، قلب الرجل، واصفا إياها بالقول: «مدينة فطر، بعماراتها الشاهقة ومقاهيها الفاخرة. يسكنها معمرون جشعون وعاهرات ومخنثون. الدار البيضاء تثير اشمئزازي»، كما قال لصديقه شارل سالي. في المقابل، افتتن بالمدينة القديمة، «لحسن الحظ، هناك المدينة العربية محاطة بأسوارها العالية تدافع عن متاجرها الصغيرة ونوافذها متعددة الألوان».
فريديريك كوكونيي
تتمة المقال تجدونها في العدد 53 من مجلتكم «زمان»