أدى أعضاء حكومة محمد بن عبد الكريم الخطابي ضريبة حرب الريف غالية. فبعد سقوط «الجمهورية» ونفي أميرها إلى جزيرة لاريينيون، توزع أعضاء حكومته ومساعدوه المقربون بين السجن والمنفى، حيث عاشوا ظروفا قاسية. قليلون فقط طال عمرهم حتى رأوا الريف حرا. «زمان» تقتفي خيوط مصير وزراء الجمهورية الريفية.
التاريخ: 27 ماي 1926، حوالي الخامسة والربع صباحا. المكان: مدشر كمون قرب تارجيست. وصل أمير الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى الخطوط الأمامية للجيوش الفرنسية، وسلم نفسه للكولونيل أندريه كوراب. بعد أيام قليلة، تم نقل الأمير رفقة عائلته إلى مدينة فاس. إلى حدود تلك الساعة، كان ما يزال معه عدد من أعضاء حكومته ومساعديه الأكثر قربا: أخوه امحمد نائب رئيس الحكومة الريفية، عمه عبد السلام وزير المالية، محمد بولحية وزير العدل، وصهراه محمد أزرقان وزير الخارجية ومحمد بوجيبار متصرف في الحكومة وأمين الأمناء. وظل وزراء آخرون في الريف، سلم بعضهم إثر الهزيمة نفسه للفرنسيين، والبعض الآخر للإسبان.
في قصبة بوجلود بفاس، خصصت للأمير وعائلته وحاشيته إقامات تحت مراقبة لصيقة، ومنعوا من لقاء أي شخص. دامت الإقامة في فاس ثلاثة أشهر، ظل الخطابي خلالها يجهل مصيره. يقول في رسالة إلى رئيس الحكومة الفرنسية، سنة 1932: “أمضينا ثلاثة أشهر في فاس، ولم نعلم بقرار نقلنا إلى جزيرة لاريينيون إلا بعد انصرام هذه المدة”. على الطرف الآخر، كانت المفاوضات بين فرنسا وإسبانيا، حول مصير الأمير ورفاقه، أكثر من شاقة، طيلة صيف سنة 1926، وبالكاد تحقق تقدم. في النهاية، نزل القرار الفصل: تم الاتفاق على نقل محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى جزيرة لاريينيون، في عمق المحيط الهندي. كانت إسبانيا تتخوف من أن يشكل وجوده في بلاد قريبة خطرا على منطقة نفوذها. في المقابل، تقرر توزيع رفاقه بين سجون ومنافي المنطقتين الفرنسية والإسبانية. وفي يوم 27 غشت 1926، نقل الأمير إلى الدار البيضاء. ومنها، حملته الباخرة “عبدة” إلى مدينة مارسليا ثم إلى منفاه الطويل في جزيرة لاريينيون، حيث قضى 21 عاما (1926-1947).
خالد الغالي
تتمة الملف تجدونها في العدد 25 من مجلتكم «زمان»