عادة ما يتم ربط عبارة ”إسلام” بمعنى ”الاستسلام” للإله، وعبارة ”مسلم” بمعنى المؤمن ”المستسلم”. الواقع أن مبدأ الاستسلام أو الخضوع لم يكن واردا في مجتمع قبلي زمن محمد. الطاعة لم تكن أبدا مطلقة. كانت دائما تعاقدية وتتلاءم مع مختلف الأوضاع .لعل من المفيد إذن فحص المقاطع القرآنية التي تدور حول هذه العبارات. نلاحظ أولا أن هذا المعجم يظهر أكثر في الفترة المدنية من الفترة المكية. كما يظهر أنه لا يتجاوز 82 مرة، في مختلف الصيغ اللغوية التي يرد فيها. نسبة قليلة مقارنة مع الاستعمالات اللاحقة لهذا المعجم. عبارة ”إسلام” لا ترد سوى 8 مرات .إنها مصدر الفعل ”أسلم”، أما ”مسلم” فهو اسم الفاعل .يجب تدقيق المعنى بالنظر للسياق القرآني دون الخلط مع الترجمات اللاحقة. عندما تصبح عبارة ما شائعة لا نفكر في التساؤل عن معناها الأول، ومن المفيد البحث عن الصيغة التي تقودنا نحو هذا المعنى الضائع .ربما يمنحنا القرآن مفتاحا للفهم بقوله ”أسلم وجهها لله”، الواردة في ثلاثة سور. يجب الاعتماد على منهجية ملموسة لتفسير هذه العبارة. نفهم أن المقصود هو ”ذلك الذي يدير وجهه نحو الله”، كما يفعل المرء، رجلا أو امرأة، في وضعية تحية شخص آخر. المعنى المستفاد من ذلك هو السلام، قبول الآخر، والانفتاح عليه.
يدل لفظ ”سلام” في القرآن، كذلك، على السلم وعلى المكان الآمن .لبلوغ هذا المكان يلزم حسن اختيار الحليف ”الولي” المناسب، ذلك القادر على ضمان حماية من يختار الدخول معه في سلم .يفترض ذلك، بالنسبة لظروف المجتمع القرآني، التعاقد مع هذا الحليف واحترام بنود العقد .هذا ما تقوله الآية «لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (سورة الأنعام). يصبح ”المسلم” وفقا لهذا المعنى طرفا ”متعاقدا” في هذا العقد معا لله، وليس ذلك ”الخاضع”.
تبعا لذلك يدخل لفظ ”إسلام” ضمن إشكالية التحالفات التي تحظى بأهمية بالغة في القرآن، والتي كانت من ركائز مجتمع تلك الفترة. هكذا يجب أن نفهم العبارة الواردة على لسان النبي إبراهيم «رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ» (سورة البقرة) .وفقا لهذا المعنى يعتبر إبراهيم، في القرآن، بمثابة أول ”مسلم”، أي الذي بقي ”وفيا للتعاقد” مع الله، بينما انحرف اليهود والنصارى عن هذا الطريق، حسب القرآن، وذلك في خضم الجدال السياسي والإيديولوجي مع الأحبار اليهود في المدينة الذين لم يؤمنوا بمحمد.
كثيرا ما قدم الإسلام متعارضا مع الإيمان .« قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم» (سورة الحجرات). المؤمن ليس هو ”الذي يقتنع”، وفقا للمعنى الحالي والضعيف الذي يعطى للكلمة. بل هو ذلك الذي يلتزم ويتصرف في إطار تعاقد مبرم معا لله. أما المسلم فليس ذلك الذي ”يخضع”، بل الذي يقدم نفسه بكونه مسالما. يطلب ويحصل في المقابل على الحماية من لله، من محمد ومن أنصاره. في هذا المقام أيضا، يبقى القرآن متطابقا تماما مع الأخلاق القبلية في احترام التعاقدات.
أما جواب القرآن على ”الأعراب”، فينبه إلى أنه لا يمكن التعويل على البدو، في مجتمع محمد، وذلك خلافا لما هو قائم لدى الفصائل القبلية المكونة من رجال حضريين. ففي ظروف القتال التي كانت تجمع العديد من المجموعات القبلية في حلف واحد، كان هؤلاء البدو يقدمون مصلحة أقاربهم على أي اعتبار آخر .فكانوا ينسحبون من المعركة بمجرد ما تسوء الأحوال كي لا يفقدوا أيا من الرجال وتضعف عصبتهم. بعد هذا الفحص للنص القرآني يمكن أن نخلص إلى أن مفهوم ”الإسلام” و”المسلم”، باعتباره انتماء دينيا، لم يصبح سائد إلا عندما انفصل المفهوم عن بيئته القبلية والتحالفات التعاقدية التي كانت تشكل عصب ذلك المجتمع .يمكن أن نحدد تاريخ هذا التحول مع ظهور المجتمع الجديد، المتميز بتراتبيته الشديدة، في العصر العباسي.
رشيد بن الزين