تشكلت عائدات المغرب، في العصور الوسطى، من المداخيل التي كانت تأتي مما سمي باقتصاد «المرور أو الوساطة«، لكن في غياب بنيات حقيقية سرعان ما كان مصيره الاندحار.
لا يمكن أن يتطور أي مجتمع بدون إنتاج. ويتخذ إنتاج الخيرات المادية دوما نمطا معينا للإنتاج الملموس الذي يمثل وحدة بين جانبين مترابطين، هما قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج. إلا أن نمط الإنتاج ليس مفهوما اقتصاديا فقط، بل هو تركيبة اقتصادية وسياسية وإيديولوجية، ويضطلع الاقتصادي بدور العنصر المحدد.
جرت العادة عند الخوض في موضوع نمط الإنتاج الحديث عن أنماط إنتاج عالمية، إن صح التعبير، من نمط إنتاج مشاعي وعبودي وفيودالي وأسيوي ورأسمالي وشيوعي. وقد تبنى بعض الباحثين بعضا من هذه الأنماط لدراسة مغرب العصور الوسطى وخاصة نمط الإنتاج العبودي ونمط الإنتاج الأسيوي ونمط الإنتاج الفيودالي وإن فند باحثون آخرون هذه الأنماط المتبناة. على أن أهم اجتهاد في الموضوع كان هو القول بسيادة نمط اقتصاد المغازي أو أسلوب الإنتاج الحربي. وتكمن أهم خصائص هذا النمط في تكريس الدولة اهتمامها للتوسع بما يضمن لبيت المال مداخيل مهمة من غنائم، وفيء، وجزية، وخراج، وعشور وغيرها من الموارد الحربية، فضلا عن المصادرات التي كان يلجأ إليها الحكم المركزي بالقوة وتطال الأراضي والأموال على حد سواء. وبذلك، يظهر أنه نمط اقتصادي لم تضطلع فيه القوى الاقتصادية بدور أساس، بقدر ما اضطلعت به القوى الحربية التي ظلت إحدى الموارد الأساسية التي تقوم عليها قوة الدولة ومتانة اقتصادها. إلا أن هذا النمط لم يكن يدفع بالدولة إلى توظيف ما كانت تستخلصه من عائدات الحرب في مشاريع استثمارية، لأن الثروة الناتجة عنه لم تكن ثروة إنتاجية قابلة للنمو، فهي لم تنتج عن صراع مع الطبيعة أو نتيجة استثمار، بل هي ثروة ناتجة في الغالب عن الاستيلاء على الخيرات الجاهزة، الشيء الذي يفسر، في نظر البعض، عدم تطور البنيات الاقتصادية وتقنياتها التي ظلت شبه بدائية. فرغم إشراف الدولة الشكلي عليها، فإنها لم تهتم سوى بعائداتها دون أن تعمل على تطويرها.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 19 من مجلتكم «زمان»