حفلت كتب المستكشفين، الذين قصدوا المغرب، بالكثير من المعطيات حول الأرض والناس، حول العادات والتقاليد، حول السلاطين والرعايا. فيما يلي مقتطفات مما جاء في بعض كتبهم.
قبل أن تفرض فرنسا الحماية على المغرب في سنة 1912، كانت المعرفة بوابة للتعرف على المغرب واستكشافه. هكذا، اعتكف عدد من الباحثين الفرنسيين على تمحيص دراسة وبحث القضايا الاجتماعية والثقافية للمغرب، وقد عرفت هذه المدرسة بـ”مدرسة الجزائر”.
يبقى السوسيولوجي الفرنسي، إيدموند دوتي، واحدا من أبرز هؤلاء الكتاب الذين عكفوا على التعريف بالمغرب، منذ أن أرسل إليه لأول مرة، ابتداء من سنة 1900، لدراسة المناطق التي لم تتصل بعد بالحداثة الأوروبية تمهيدا لفتحها علميا قبل فتحها عسكريا. يتحدر دوتي من مدينة إيفرو الفرنسية. وفي سنة 1867، درس علم المتاحف والعلوم الطبيعية والآداب، قبل أن يتم إلحاقه بالحكومة العامة في يناير من سنة 1892 برتبة إداري مساعد في منطقة الأوراس الجزائرية، ثم انتقل إلى وهران بعد سنتين كمحرر، قبل أن يحصل على دبلوم الآداب الذي سيؤهله ليصبح أستاذا للآداب بمدرسة تلمسان انطلاقا من سنة 1898. وهكذا، سيجري تكليفه، بين سنتي 1900 و1901، بأول مهمة في المغرب لاستكشاف تلك المناطق التي ما تزال منعزلة عن حداثة الأوروبيين رغبة في الرفع من منسوب التأثير الفرنسي داخل المغرب تمهيدا للدخول إليه لاحقا. وعمل دوتي على إعداد تقرير عن هذه الزيارات الاستطلاعية، وتوالت بعدها زياراته المتكررة إلى المغرب الذي سيصبح مجال اشتغاله طيلة سنوات عديدة.
بدأ دوتي النشر عن المغرب في مجلة “تعليمات كولونيالية”، ثم قام بنشر كتابه الشهير “مراكش”، سنة 1905، وهو كتاب يحكي فيه مسار رحلة قطعها متنقلا من الدار البيضاء إلى أبواب مراكش، مرورا بقبائل الشاوية ودكالة والرحامنة، وهي رحلة متقطعة في الزمان والمكان، وقد جمع المؤلف في هذا الكتاب خلاصة رحلاته الثلاث إلى هذه القبائل، مقارنا في عدد من فقراته بين عادات المغاربة وعادات الجزائريين، ويمكن أن نقرأ في هذا الإطار: «المغاربة، أو على الأقل أولئك الذين نمر بمناطقهم يتناولون طعام الغذاء في السوق، وهذا أمر معيب عند الجزائريين»، ويبدو هذا الاستنتاج وكأنه إيحاء بفضل الاستعمار على تحضر الجزائر وبضرورة نقل التجربة إلى الأرض المغربية. استمرت زيارات دوتي إلى المغرب، بين سنوات 1906 و1909، وكان يصاحبه خلال هذه الرحلات مرافقان محليان هما علال العبدي، وسي بومدين بنزيان، وقد دعمت الإقامة العامة للشؤون الأهلية هذه الزيارات، ودفعته هذه الملاحظات السوسيولوجية في المرحلة الأولى، بحسب الباحث الجامعي نور الدين الزاهي لاحقا، إلى تخصيص دراسات متفرقة حول القبائل “قبيلة حاحا نموذجا” ثم حول الزوايا.
وسجل الزاهي، في كتاب “المدخل لعلم الاجتماع المغربي”، اندهاشه من ملاحظات دوتي خلال هذه الرحلات، معتبرا إياها «مفارقة كبرى اخترقت المغرب في القرن التاسع عشر، وهي مفارقة عجيبة ومتعايشة بشكل عجيب لدرجة استحالة عدم تصديقها بالنسبة لمن لا يعرف طبيعة المغرب والمغاربة. وتكمن هذه المفارقة في فقر النظام الاقتصادي المغربي وانغلاقه على ذاته واعتماده على الاكتفاء الذاتي للقبائل، في مقابل الروابط والعلائق الاجتماعية المبنية على الشرف والبذخ والإسراف، سواء تعلق الأمر بالبناء أو التخريب». فقد وقف دوتي على انعدام التوازن الاجتماعي والاقتصادي، ملحقا بذلك المجتمع المغربي خلال تلك الفترة بالمجتمعات البدائية التي تستطيع وحدها الموازنة بين آليات تدبير اقتصاد الكفاف وبذخ العلاقات الاجتماعية. ويمكن القول إن دوتي لعب دورا في انتقال المدرسة الجزائرية إلى المغرب كما يعتقد عبد لله حمودي، ذلك أنه وريث وتلميذ لاسمين كبيرين اعتمد عليهما كثيرا في الدراسات التي قام بها وهما هنري باسي مدير المدرسة العليا للآداب في الجزائر في ذلك الوقت، ومولييراس صاحب كتاب “المغرب المجهول”، كما يمكن كذلك حسب رولان لوبيل، الباحث في تاريخ الثقافة الكولونيالية الفرنسية، اعتباره أبا لما يسمى بـ”أنثروبولوجيا الدين الكولونيالية ” في المغرب خصوصا وفي إفريقيا الشمالية عموما، لتخصيصه جزءا كبيرا من أعماله لهذه الظواهر. وفي هذا السياق، يمكن إدراج كتب: “ملاحظات حول الإسلام المغاربي.. الزوايا” الصادر سنة 1900، و”كومة الأحجار المقدسة وبعض الممارسات المتعلقة بها في جنوب المغرب” الصادر سنة 1903 ، بالإضافة إلى كتاب “السحر والدين في إفريقيا الشمالية” سنة 1909، علاوة على المراجعات التي نشرتها مجلة “السنة السوسيولوجية”.
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 43 من مجلتكم «زمان»