عرف المغرب، ابتداء من العصر الوسيط، أشكالا عسكرية مختلفة، غير أنه مع تولي المولى إسماعيل الحكم أصبح المغاربة مجبرين على دخول الجيش أو دفع النائبة.
قبل أن تكون الدولة كانت مسؤولية الدفاع عن القبيلة أو المجموعة البشرية، كيفما كانت طبيعتها، تقع على عاتق كل رجال المجموعة القادرين على حمل السلاح. في حالة الحرب يتم استنفار كل البالغين من الذكور الذين يساهمون بأنفسهم وسلاحهم وكل ما يلزم للدفاع عن حوزة القبيلة وصيانة حرمتها.
الزمن الخلدوني
بالنسبة لابن خلدون السلطة تبدأ من المستوى القبلي، أي من العصبية القبلية التي هي أساس كل سلطة. يرى ابن خلدون أن وجود العصبية، أي تلك اللحمة التي تشد الأفراد بعضهم إلى بعض، نابعة من حالة طبيعية تحتم على الناس أن يعيشوا في إطار مجموعات، أولا انطلاقا من شعور كل فرد بضرورة تعاونه مع الآخرين من بني جنسه من أجل قضاء الحاجات الضرورية لبقائه، من زراعة وصناعة وتبادل للسلع، وثانيا لضرورة وجود الوازع لأن الشر أو العدوان أمر طبيعي متأصل في النفس البشرية باعتبار أن الإنسان مجبول على الخير والشر معا. وعندما نقول الوازع، فذلك يعني حاجة الفرد إلى الحماية والدفاع، ضد أبناء جلدته أولا، لأن غريزة العدوان والتعدي موجودة في كل نفس، حتى في أقرب المقربين، وثانيا وأساسا، ضد الأجنبي الذي يهدد المجموعة ككل بتطلعه إلى خيرات المجموعة ورغبته في الاستيلاء عليها، وهو ما يتطلب حشد طاقات القبيلة وتجنيد أفرادها لدفع خطر العدوان المتربص بالمجموعة في كل وقت.
إذن بالنسبة لابن خلدون، فإن القبيلة سابقة للدولة، التي تمثل درجة أعلى من الحضارة أو العمران حسب المصطلح الخلدوني. قد يستمر العيش في إطار القبيلة لقرون وأجيال، وقد لا تتوفر الشروط إطلاقا للانتقال من المستوى القبلي إلى مستوى الدولة، لكن ابن خلدون الذي كرس جهده بالأساس لدراسة تاريخ “العرب والبربر” بعد الإسلام، سيلاحظ أن الدولة ما هي في الواقع إلا القبيلة المتغلبة التي استطاعت بفضل عصبيتها القوية، أي طاقتها البشرية وقدراتها العسكرية، أن تخضع القبائل الأخرى الأقل عصبية وتجعل منها رعية خاضعة لها طالما بقيت عصبيتها متفوقة، وطالما تمكنت بفضل قوتها العسكرية من إخضاع الآخرين.
تتمة الملف تجدونها في العدد 60 من مجلتكم «زمان»