يعرض الطاهر بن جلون في سرده الذي صدر في بداية هذه السنة، تجربة اليساريين ومن اعتبرهم السلطة متمردين يحتاجون إلى التأديب، من خلال الخدمة العسكرية. أي أن السرد صدر قبل قانون الخدمة الإجبارية، وقبل الحديث عنها. هل هو توارد أفكار، أم مصادفة، أم أن هناك علاقة ما بين الرواية، وقانون التجنيد الإجباري؟
ظلت هذه التجربة في دائرة المحكي الشفوي، ويختلف الحكي باختلاف الأشخاص، ومدى تقدم الإنسان في السن. سرد الطاهر بن جلون سابقة، ومن دون شك أنه يحمل طابعا ذاتيا، وهو ما لا ينفيه صاحبه، مثلما أن يحمل رؤاه، ومنظوره وقد توارت الأحداث. يحكي على سبيل المثال، كيف أنه وقف في مدينة طنجة، في مقهى، في واضحة النهار، على نشرة الأخبار في التلفزة يوم 10 يوليوز 1971، ليسمع عن خبر الانقلاب العسكري، والبيان الذي يتلوه الصحافي محمد بن ددوش. لم يكن حينها بث تلفزي في النهار، ولم يكن بن ددوش صحافيا قط في التلفزيون. هل يمكن حقا أن نركن لما ورد في السرد من مناورات بالذخيرة الحية، ومقتل مناورين، والاعتقاد بأن القانون يسمح بـ2،5 في المائة من الضحايا أثناء المناورات؟
طبعا ليس العمل تحقيقا تاريخيا، ولا هو رواية، بل سردا، وهو مفيد للوقوف على تجربة الشباب اليساري المتعلم، الذي أُخضع قسرا لتجربة التجنيد الإجباري، بعد أحداث 1965، وهي سنة مفصلية في تاريخ البلد.
التجنيد من أجل العقاب
كان من الضروري قطع الحركات الاحتجاجية من رؤوسها التي تفكر وتعي، وتعانق التوجهات اليسارية أو القومية التي كانت حينها مزعجة للنظام.
عملية التجنيد حينها لم تكن من أجل بث قيم المواطنة، أو التدريب على السلاح، بل لم تكن هناك عقيدة عسكرية قائمة الذات، ولا عدوا واضحا أو محتملا. العميلة كلها تتمحور حول ما أسماه الطاهر بن جلون بالعقاب أو التأديب، أو مثلما يقول في الفصل المعنون بمعقابي صاحب الجلالة :
«رقم تسجيلي هو 10366. ما أزال أذكره إلى الآن. كل من يبدأ رقمهم بـ10300 فهم من معاقَبي الملك. لم يكن الأمر مكتوبا، ولا مجهورا به، ولكنه كان راسخا في الأذهان. أي أمر خطير اجترحناه؟ أن ننتظم بطريقة قانونية، أن نتظاهر بطريقة سلمية، أن ننادي بالحرية والاحترام. أن نكون ذواتنا في غير قليل من السذاجة والأوهام، من دون شك. يبدو أننا لسنا الوحيدين. في مصر، يرسل ناصر معارضيه من الماركسيين إلى الصحراء ويعرضهم لمجانين يسيؤون معاملتهم».
تتمة الملف تجدونها في العدد 60 من مجلتكم «زمان»