كانت الحسبة، قديما، تغطي كل مجالات الحياة، وكان المحتسب يضطلع بدور كبير في تنظيم الناس والمدينة، لكن مع المركزة المخزنية أفرغت المؤسسة من محتواها الأصيل، حين أصبحت تسند لـ”عاميين وجهال”.
في النظام التقليدي، كان المحتسب يمثل مؤسسة أساسية في المجتمع مهمتها المحافظة على حقوق الناس في معاملاتهم اليومية، وزجر المظاهر المُخلة بالأخلاق العامة .لكن هذه الوظائف المستمدة من الشرع تآكلت مع الزمن، وبعد أن كانت الحسبة ولاية شرعية مستقلة عن سلطة الحاكم، نجدها مع أواخر القرن التاسع عشر قد أصبحت مجرد ملحقة بسلطة الجهاز المخزني. إذا اعتبرنا أن الحسبة هي تقنين ومراقبة السوق، فإن المؤسسة ضاربة بجذورها في التاريخ لأن المجتمعات البشرية حاولت دائما أن تضع ضوابط للمعاملات والمبادلات بين الناس .لكن الإسلام جعل منها أكثر من مجرد مراقبة للسوق، بحيث أضاف لها بعدا أخلاقيا ودينيا عندما أدخل في الحسبة زجر كل ما يخل بالأخلاق العامة، كشرب الخمر جهارا والدعارة على سبيل المثال. وقد جعل الإسلام خطة الحسبة ضمن الخطط الشرعية وأهمها القضاء، والمظالم .والواقع أن انتساب هذه الخطط الثلاث، الحسبة والقضاء ورد المظالم، للحقل الشرعي نفسه قد خلق تداخلا فيما بينها، وجعل الحدود بينها غير واضحة تماما، لأن هذه الخطط كلها تبتغي رعاية الحقوق ورفع الظلم وفق الشريعة.
محمد المنصور
تتمة المقال تجدونها في العدد 107/106 من مجلتكم «زمان»