تميز الموحدون بتكوين نخبة تسير شؤون الدولة وجيشها، وتحافظ على إيديولوجيتها، وذلك على أنقاض الهيئات القبلية التي شكلت عماد الدعوة الموحدية. فمن يكون “خدام الدولة” الموحدية هؤلاء؟
الموحدية، إلى إحداث جملة من التنظيمات: أهل الدار، وأهل الجماعة، وأهل الخمسين، وأهل السبعين… ينظم بها حركته، ويبث من خلالها دعوته بين القبائل المصمودية. غير أن هذه التنظيمات، في جوهرها، كانت تقليدية، تمتح مما كان سائدا بين قبائل مصامدة الجبل وإن بتغييرات تضفي عليها لمسة المهدي. ما جعلها منظمة سياسية، تجمعها مصالح مادية ومعنوية، تلحمها الإيديولوجية التومرتية في أفق تحقيق الغاية الأسمى وهي تأسيس الدولة.
إرث ابن تومرت
مع تشكل الدولة الموحدية، التي تعد أقوى تجربة في بناء الدولة المغربية خلال العصر الوسيط من النواحي التنظيمية والهيكلية والعقائدية، لم يقع ضخ دماء جديدة في تنظيمات ابن تومرت، وظهر أنها لم تعد تلبي حاجيات المرحلة الجديدة لدولة مترامية الأطراف وشديدة التمركز من جهة، ومن جهة أخرى ظهر للخليفة عبد المؤمن أن عليه القيام بإصلاح هيكلي يعيد، من خلاله، النظر في التنظيم الاجتماعي والإداري الذي وضعه ابن تومرت، وإحداث تنظيمات جديدة مهيكلة بدقة بالغة لتسيير شؤون الأقاليم، تكون موالية لمؤسسة الخلافة وبالتالي له، يقاوم بها سطوة المصامدة، وهو الغريب في مجالهم، الذين حاولوا النيل منه وإزاحته عن السلطة في أكثر من مناسبة خاصة خلال المرحلة الممتدة بين سنة 526هـ/ 1132م وسنة 544هـ/ 1149م، لاسيما بعدما أقر مبدأ توريث الحكم في أسرته. فدون أخذ هذا السياق التاريخي بعين الاعتبار، يصعب فهم المجهودات التي بذلها الخليفة عبد المؤمن لخلق أطر تساعد على إدارة دولة ذات مجال شاسع ممتد في البلدان المغاربية إضافة إلى الأندلس، وخلق توازن مع أشياخ القبائل المصمودية الماسكين بجزء مهم من السلطة.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 40 من مجلتكم «زمان»