ارتبط تجار فاسيون، على مدى قرون، بغرب إفريقيا خاصة سان لويس السينغالية وتمبوكتو، قبل أن تخلخل الحماية تلك الصلات.
رسخ الزمن والمجال علاقات تجارية بين فاس ومدن وبوادي المغرب، وأيضا علاقاتها مع الأمم الأخرى، وكان للإنتاج الحرفي الدور الأساسي في تنشيطها، حيث وفر السلع والبضائع للمبادلات لتلبية حاجيات الزبناء في كل الأماكن. وشكلت القوافل وسيلة أساسية لتصريفها خارج الحاضرة الادريسية. وتدين فاس، في غناها وعظمتها، لنشاطها التجاري، وتلازم نفوذها التجاري بنفوذها الروحي والسياسي داخل المغرب، غير أن هذا الامتداد التجاري سيعرف تغييرات جذرية بدءا من المناطق التقليدية للنفوذ التجاري لفاس: الجزائر وطرابلس ومصر، ثم بلاد السودان وإفريقيا الغربية، بفعل التحولات التي عرفتها هذه الأماكن وما شهدته من الغزو الاستعماري واكتساح الرأسمالية لها. فما هي روابط فاس ببلاد السودان وإفريقيا الغربية؟ وماهي التحولات الجديدة التي سيعرفها الامتداد التجاري لفاس فيها في مطلع القرن العشرين؟
الطريق إلى سان لويسس
لا تسعف الوثائق المغربية في تتبع تاريخ هجرة المغاربة إلى إفريقيا الغربية، وسنستقصي معلوماتنا من كتب الرحالة الأوربيين المستكشفين وضباط الجيش الفرنسي في حملاتهم العسكرية على بلاد السودان. يفيد ليوبولد بانل أنه تعرف، أثناء إقامته في مدينة سان لويسس السينغالية عام 1850، على تاجر مغربي من مدينة فاس، كان قد هاجر قبل التاريخ المذكور بسنتين أو ثلاث. ويبدو أن وجود المغاربة ظل محدودا، ولم يسترع انتباه الأوربيين المستكشفين للمدينة، إذ لم يشر فيدهيرب إلى وجودهم، في الإحصاء الذي تم بالمدينة سنة 1858، حيث بلغ عدد سكانها، حينئذ، زهاء 15 ألف نسمة، وهي المدينة التي اعتبرها فيدهيرب من أجمل مدن سواحل إفريقيا الغربية. غير أن التجار الفاسيين حضروا، بشكل لافت، في رسالة جوابية إخبارية وجهها الطبيب دانفرفي، إلى السكرتير العام بعد قيامه بالبحث في الموضوع، إذ جاء، في الرسالة المؤرخة يوم 12 فبراير 1905 من سان لويس، أن عدد المغاربة بلغ 112 نسمة، يمارس أغلبهم التجارة، وبعضهم يعمل في تسيير الدور التجارية. كما تفيد الرسالة أن معظم هؤلاء من فاس ومن بعض المدن الساحلية الغربية، يمثلون إلى حد بعيد البورجوازية الحضرية المغربية. وقد اهتمت سلطات فرنسا بدراسة هذه الجالية وتتبع مواقفها من مسألة التسرب الفرنسي الاستعماري إلى غرب إفريقيا، علما أن المغرب كان، في هذه الفترة، ما يزال يحتفظ باستقلاله.
محمد تلوزت بن علا
تتمة المقال تجدونها في العدد 38 من مجلتكم «زمان»