لم يمنع حجم أبي الجعد من أن يتبوء أشياخها مكانة علمية مرموقة وسط علماء فاس والرباط ومراكش، و”عرف لهم ذلك السوقة والملوك، والغني والصعلوك”، وفق تعبير صاحب الاستقصا.
يرجع أصل تأسيس مدينة أبي الجعد إلى القرن 16، حيث عاش في هذه الحقبة، بقصبة تادلة، عالم يدعى سيدي بلقاسم بن الزعري من حفدة الخليفة عمر بن الخطاب. وورد عند الضابط الفرنسي جورج سبيلمان أن سيدي بلقاسم هذا استقر في قصبة تادلة، حيث شاع صيته هناك بسرعة. وفي سنة 1536، قام أحد أبنائه وهو قائد الفرسان سيدي امحمد الشرقي، وكان في الثلاثين من عمره، بتأسيس زاويته. “وأما الشيخ أبو عبيد لله الشرقي فمن كبار المشايخ، شهير البركة، بعيد الصيت، كثير الأتباع، نفع لله به خلقا كثيرا، وتخرج به كثير ممن بانت خصوصيته وظهرت بركته، وكانت بينه وبين الشيخ أبي المحاسن مواصلة ومراسلة”، وفق ما ورد في “مرآة المحاسن”.
ولد الشيخ بجوار وادي أم الربيع، الذي يبعد عن قصبة تادلة بحوالي ثلاثة كيلومترات، سنة 1520، وحفظ القرآن ودرس العلم على يد والده… ولما ظهرت محبته للعلم، أرسله والده إلى مراكش ليتتلمذ على يد علماء أجلاء. وهناك، اشتهر بين الناس بنباهته وكرمه، ثم رجع إلى مسقط رأسه فمكث مدة قليلة، انتقل بعدها إلى الأطلس المتوسط، وبالضبط إلى المكان المسمى الآن بـ”غرم العلام” قرب مدينة تادلة، في محاولة لتأسيس زاوية بالقرب من والديه، فبقي هناك متفرغا لعبادة الله.
ثم انتقل منه، سنة 1559، إلى موقع يبعد عن قصبة تادلة بنحو 23 كيلومتر، فضرب بخيمته هناك وحفر بئرا وبنى مسجدا. وكان المحل عبارة عن غابات كثيفة الأشجار، عامرة بالوحوش والذئاب المسماة أبو جعدة، فسمي منذ ذلك الوقت أبو الجعد، وقال قولته المشهورة: «إني راحل إن شاء لله إلى بلد أمورها في الظاهر معسرة وأرزاقها ميسرة… هذا المحل إن شاء لله محل ينمو بركة، لعله يستقيم لنا فيه السكون بعد الحركة».
محمد الشرقاوي البزيوي
تتمة المقال تجدونها في العدد 81 من مجلتكم «زمان»