لجأ المغاربة، كغيرهم، إلى السحر لإيجاد أجوبة ما عن أسئلة مستعصية، كما لجأوا إليه بحثا عن الحب وعن رفيق للحياة، وأيضا بحثا عن السلطة والجاه.
السحر طقس يمارسه الإنسان لتجاوز عجزه في مواجهة تأثير القوى الخفية من جن وشياطين في حياته اليومية. فقد عرف المغاربة، منذ القديم، هذه الممارسة التي تتسم بالغموض والألغاز.
السحر “علم” مخيف ولغز محير يديره الفقهاء/الطلبة الذين يتشكل علمهم من قراءة مخطوطات الخيمياء القديمة وكتب الطلاسم ومربعات العرافة الموغلة في بحر من المعارف الباطنية والعرفانية وقراءة النجوم. هكذا يتعايش السحر مع الفقه والتصوف لكسب المشروعية المجتمعية، ذلك أن أغلب مدبري شؤون السحر من طلبة وفقهاء الشرط ينحدرون من قاع المجتمع.
حيلة المقهور
نشأت ممارسة السحر، كطقوس، قبل مجيء الأديان التوحيدية في المجتمع المغربي، لكنها تمازجت وتعايشت مع هذه الأديان. فقد ارتبط السحر ببسطاء الناس في البوادي من فلاحين ومعوزين ونساء مهمشين ومقصيين من سلطة المعرفة العالمة والرسمية. فيما عمل على تدبير شؤون السحر الطلبة/الفقهاء، الذين تعوزهم المعرفة الدقيقة والرفيعة لنصوص الفقه والعلوم الشرعية الرسمية والعالمة، وينقصهم الصقل الأدبي الرفيع لكتاباتهم. إن ممارسات السحر مرتبطة بالمنبوذين والمحرومين من السلطة والجاه، أغلبهم بعيدون عن كل سلطة سياسية شرعية رغم توظيفهم سياسيا لإعادة إنتاج شروط البؤس والأمية في العالم القروي.
السحر حيلة الإنسان المقهور اجتماعيا واقتصاديا، يحاول تجاوز قهره بالحلم بعالم الكنوز الباطنية وسلطة الجن والشياطين للتحكم في عالم ينفلت من قبضته. السحر سلاح العاشقين الذين لم يستطيعوا الوصال مع معشوقاتهم، وسيلة الذين لا يملكون أية معارف لتجاوز آلامهم. إنه ديانة المسحوقين سياسيا واجتماعيا من سكان البوادي وهوامش المدن.
يمكن تحديد أنواع السحر في السحر الخارقي والسحر التعاطفي. فالأول هو قدرة بعض الناس على الإتيان بأفعال خارقة للمألوف والعادة بافتراض وجود قوة خارقة خفية، أو الإيحاء بتجاوز القوانين الطبيعية كالسفر بسرعة أو اختراق الجدران. هذا السحر يرتكز في تصوره على تحدي كل قوانين وسنن الطبيعة. أما الثاني، الذي يتشكل ما قبل العلم في تعامله مع الطبيعة وقوانينها بافتراض نوع من التشابه بين الطبيعة والفعل البشري، فإنه يرجع إلى الديانة الإحيائية. وله تمظهران، أولها السحر التشابهي، الذي يرتكز على مكونات الطبيعة (الماء، الهواء، التراب، النار). فالإنسان نفسه مكون من هذه العناصر، مثلا أن يرسم الساحر صورة إنسان، ثم يحرقها أو يطعنها على أساس أنها تشبه الإنسان المراد إيذاءه. وثانيها السحر الاتصالي، حيث يلاحظ الساحر أن هناك علاقة اتصال في الطبيعة وفي علاقة الإنسان بهذه الطبيعة، فأخذ شعرة من رجل أو جزء من ظفره يمكن أن يؤثر عليه خلال ممارسة الطقوس السحرية وخاصة التحكم فيه، وجعله تحت السيطرة من طرف الشخص الذي يريده تابعا أو زوجا. كل هذا تؤكده الوصفة السحرية المرتبطة بلسان الحمار، من حيث كتابة طلاسم معينة على هذا اللسان، تجعل آكله منقادا كالحمار.
المصطفى براهمي
تتمة المقال في العدد 34-35 من مجلة «زمان»