اضطر مغاربة العصر الوسيط، أمام قصر اليد، إلى اللجوء إلى وسائل علاجية رسخت بعضها عقيدة الأجداد، كما آمنوا ببركات الأولياء وبـ”خوارق” العرافين.
عرف المغرب خلال العصر الوسيط انتشار العديد من الأمراض، عدد منها كان قاتلا، أسفر عن وفيات كثيرة، وتسبب في هدر ديموغرافي، في ظل قلة عدد الأطباء، وضعف كبير لانتشار الطب العلمي، وقلة المقبلين عليه، لـ«محدودية قدرته على معالجة العديد من الأمراض المنتشرة عصرئذ»، وهو ما أصبح أكثر وضوحا أواخر العصر الوسيط، حين أصبح بعض الأطباء «يمزجون الأغذية والأدوية بالأدعية، وبطقوس مبتذلة». وضع من هذا القبيل، مضافا إليه قلة ذات اليد، وسيادة الجهل، وطبيعة العقليات المهيمنة، خلق تحديا كبيرا لغالبية المجتمع، فكان لابد أن تحاول هذه الأغلبية خلق بدائل علاجية لعلها تنقذ ما يمكن إنقاذه، فبرزت في هذا السياق طرق عدة للعلاج الشعبي، الثابت الحضور في المجتمعات، منها ما هو عملي – تجريبي، ومنها ما هو اعتقادي كان أقرب إلى خلق توازن نفسي، وكلاهما كانا الأكثر استقطابا للمرضى من مغاربة العصر الوسيط. “الطب” الشعبي التجريبي نتاج تراكم تجارب نحتت عبر سنوات عدة إن لم تكن لمدة قرون، وترسخت في الذاكرة الشعبية، وصارت توظفها لخدمة المجتمع. علما أن بعضا من طرقه أفادت الطب العلمي، كما استفاد “الطب” الشعبي من طرق الأخير. وصف ابن خلدون الطب الشعبي بطب أهل البادية، أقامه أهلها، في الغالب، «على تجربة بعض الأشخاص، متوارثا عن مشايخ الحي وعجائزه. وربما يصح منه بعضه إلا أنه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج». ولا غرو أن هذا الشكل من “الطب” لم يقتصر على البادية بل وجد حتى في الحواضر المغربية، ويبدو أن ابن خلدون عندما نسبه إلى البادية كان يقصد أصله أو غالبيته بما أن المجال القروي كان مهيمنا، بشكل كبير، على المشهد المجالي المغربي. وقد استخدم “الطب” الشعبي التجريبي أساليب علاجية عدة، وظفت الأعشاب، والمياه، والغذاء، وأعمال يدوية منها الكي بالنار.
محمد ياسر الهلالي
تتمة الملف تجدونها في العدد 36 من مجلتكم «زمان»