لم يهتم أغلب المغاربة، في قرون ما قبل الاستعمار، بطريقة لباسهم، وكانت ملابسهم رثة ومرقعة، وعبارة عن درابيل.
في شهادة جورج هوست، وهو قنصل دنماركي أقام بالمغرب ما بين 1760 و1768، نقرأ ما يلي: “لا يغير المغاربة أبدا طريقة لباسهم (…)، ولا تتغير الألوان إلا في القفطان (…)، وحده النقاء يميز بين ألبسة خاصَّة الناس وعامَّتهم”.
إذا وقفنا بدايةً عند قضية الألوان هذه، نجد أن معظم الألبسة التي كان يرتديها المغاربة طوال تاريخهم، أي خلال القرون الوسطى وقرون ما قبل الاستعمار، كانت من الأبيض والأسود. الأبيض لباس المسلمين، والأسود لباس اليهود. الأبيض والأسود، رمز قومي بامتياز. حائك النساء أبيض، سلهام الرجال أبيض، وعمامتهم بيضاء أيضا. واليهود لباسهم أسود بالكامل حتى الطاقية والبُلغة. ويبقى اللون الأبيض هو الغالب. لون الفرح ولون الحداد، لون العروس ولون كفن الميت. أما الألوان الزاهية والفاتنة فكانت مكروهة، بحكم مرجعية الثقافة الإسلامية، كما تنبَّه إلى ذلك الباحث محمد بوسلام في دراسة موثقة حول تاريخ اللباس المغربي.
تراتبية اجتماعية في اللباس
خضع اللباس في المجتمع المغربي كما في باقي مجتمعات العالم عموما، والعالم العربي الإسلامي على وجه الخصوص لتراتبية اجتماعية ملزِمة. فأعيان المدن ورؤساء القبائل وشيوخ الزوايا تمتعوا بألبسة رفيعة مصنوعة من الصوف الناعم أو الكتان الموبَّر أو الحرير، وبنِعال جلدها رطب رقيق. ثم إن عددا من هذه الألبسة، كالقفطان والجاباضور، تلتقي في صنعها وشكلها تأثيرات مشرقية وأندلسية. لكن هذه الورقة لا تروم الحديث عن هذا النوع من اللباس الذي لا يعكس سوى جانب ضيق من الواقع الاجتماعي، بل تركز على ما كان يلبسه عامَّة الناس وفقراؤهم الذين يكدحون لكسب قوتهم اليومي، والذين شكلوا الأغلبية الساحقة في المجتمع.
محمد حبيدة
تتمة المقال تجدونها في العدد 20 من مجلتكم «زمان»