دخل “اللباس البلدي” المغربي مرحلة غير مسبوقة من تاريخه خلال القرن العشرين. فبعد ما كان قبل “الحماية” هو الهندام الوحيد، فإنه أصبح بعدها في مواجهة قوية مع “لباس رومي” ما كان معروفا ولا متداولا في البلاد من ذي قبل.
بتوقيع المغرب لأول معاهدة مع أوربا، دخل في علاقات غير متكافئة مع الأجانب. وبفتحه لأبواب التعامل الاقتصادي معهم سنة 1856، وضع أول خطوة على مسار التطور الذي ستعرفه مظاهر حياته اليومية لاحقا، من أساليب اتصال وعادات تغذية وأشكال لباس وغيرها. ومنذئذ، “بدأت معاول النيل من النموذج اللباسي الموروث تشتغل في الأعماق” كما قال الباحث علي أمهان.
ما أن انفتح المغرب رسميا على البلدان الأوربية حتى شرعت تسوق فيه أقمشتها ومنسوجاتها القطنية والكتانية، فضلا عن المواد الغذائية كالسكر والشاي وغيرها. أصبحت المواد الأولية الأوروبية لإنتاج اللباس تزاحم المنتجات المحلية ولو أن المناسج ظلت أهلية وتقنيات الإنتاج مغربية، مثلما بقيت أشكال التفصيل والخياطة وأساليب الارتداء “بلدية”. كانت تلك هي الخطوة الخفية الأولى في تطور مسار اللباس التقليدي المغربي.
أما الخطوة الثانية، فقد حلت بتوقيع معاهدة مدريد سنة 1880. ففي هذه السنة، بدأ تراجع صناعة الشاشيات المغربية التي كانت مزدهرة بمدينة فاس، وإن لم يتأكد ذلك بشكل حقيقي إلا ابتداء من سنة 1898. ففي هذه السنة، أصبحت المصانع الفرنسية والنمساوية وغيرها تتنافس على محاكاة الشاشيات والطرابيش المغربية، وتنتجها بأعداد وفيرة وبجودة أكبر، ثم تستقدمها بكميات ضخمة من المصانع الأوروبية لتوزعها في مراسي المغرب ومدنه الداخلية بأسعار تقل بكثير عن الأسعار الجارية في أسواق المغرب الداخلية. وجاءت الخطوة الثالثة بالتحاق ألمانيا وبريطانيا بغيرهما في مجال التنافس على أسواق المغرب. فقد عمدتا معا إلى استقدام الطرابيش واللبد والشاشيات إلى الأسواق المغربية وبيعها فيه بأسعار منخفضة عن أثمنة غيرها من البلدان الأوربية الأخرى.
محمد بوسلام
تتمة المقال تجدونها في العدد 20 من مجلتكم «زمان»