أفضى الحضور المكثف للحرب في واقع الإنسان المغربي، خلال العصر الوسيط، إلى توشيح الزي بكل المظاهر العسكرية والحربية، إلى حد أضحى معه السلاح جزءا من الملبوس اليومي.
لا مراء في أن الزي والملبوس اليومي للمجتمعات يعد شكلا ثقافيا يجسد رؤية الجماعة والفرد لمجموعة من القيم والعادات والمعايير الاجتماعية، أو بتعبير آخر اللحظة التي يصبح فيها المحسوس دالا، أي أنه يجسد ما يتخذه الجسد البشري كي يصبح حاملا لمجموعة من الدلالات والعلامات. ولا شك في أن الحيز الضخم الذي احتلته الحرب في واقع وذهنية الإنسان المغربي، من خلال مجمل القيم المرعية التقدير لديه، قد تجلى في زيه وملبوسه اليومي، فانطبع هذا الزي بكثير من المظاهر الحربية، وترجمت أشكاله ومظاهر الزينة عليه القيمة المهمة التي أضحت لهذه الظاهرة في رؤية الجماعة وتصوراتها. وفي هذا الصدد، حق لجاستون بوتول أن يقرر أن أجمل الحلي التي أبدعها الإنسان في جميع الحضارات كانت لأجل زينة المحارب دون غيره، وأن المعادن النفيسة والخوذات المزخرفة والريش والأقمشة ذات الألوان الزاهية والنقوش والتطعيم بالأحجار الكريمة، كل ذلك كان من نصيب المحاربين.
محاكاة لباس أهل السيف
لعل في استقراء المصادر التاريخية ما يؤكد بقوة أثر الحرب وكثافته. فبالرغم من أن اللباس الحربي الذي اختص به السلطان والأشياخ وعامة الجند كان مميزا وخاصاً خلال هذه المرحلة، إذ حدده البعض في عمائم طوال رقاق قليلة العرض من كتان، وفوقها إحرامات من الجباب تلقى على الأكتاف، وأخفاف في الأرجل تسمى الأنمقة والمهاميز، ومضمات تشد على المناطق خاصة في حالة الاستعراض أو الحرب، وسيوف تقلد تقليداً بدويا، وبالرغم من أن تمييز أرباب السيوف عن غيرهم من خلال شكل اللباس كان ممكنا وسهلا، فإن ما يثير الانتباه هو أن الزي العسكري انسحب في معظم قطعه وأشكاله على لباس مختلف الفئات الاجتماعية الأخرى؛ ذلك أن لباس «القضاة والعلماء والكتاب وعامة الناس، قريب من هذا الزي، إلا أن عمائمهم خضر (…) وليس لهؤلاء سيوف».
حميد تيتاو
تتمة المقال تجدونها في العدد 20 من مجلتكم «زمان»