اختار محمد بن جعفر الكتاني، على عكس أقربائه، طريقا متفردا في علاقته مع السلطة في المغرب، فلم ينصب نفسه خصما لها ولم يرتم في أحضانها.المؤرخ الراحل محمد العيادي كتب عن الرجل وعن نصيحته إلى المولى عبد العزيز في نهاية حكمه،”زمان” تقدم لكم هنا أهم مضامينه.
علاقة العائلة الكتانية بالسلطة في المغرب علاقة متفردة، يكتنفها الكثير من التعقيد. فإذا كان محمد بن عبد الكبير الكتاني، صاحب الدور المشهود في البيعة المشروطة، اختار المواجهة مع السلطان المولى عبد الحفيظ وكلفه الأمر في النهاية حياته، وإذا كان شقيقه عبد الحي الكتاني فضل الارتماء في أحضان السلطة الاستعمارية، فإن فردا آخر من العائلة اختار طريقا ثالثا، مختلفا تماما، في علاقته مع السلطة، مفضلا إمساك العصا من الوسط، دون أن ينصب نفسه خصما للسلطة أو أن يعتبر نفسه أحد أفرادها. لم يكن هذا الشخص سوى محمد بن جعفر الكتاني، ابن عمة عبد الكبير وعبد الحي. فمن هو هذا الرجل؟ وما هي فحوى النصيحة التي وجهها إلى السلطان المولى عبد العزيز في نهاية عهده؟ وما هي طبيعة سلوكه السياسي؟ وكيف تميز عن سلوك قريبيه؟.
الشيخ الكتاني ونصيحته
ولد الشيخ محمد بن جعفر الكتاني بمدينة فاس سنة 1275 هـ/1858-1859 م، وفيها توفي سنة 1927. هو عالم وفقيه ومحدث مشهور، له مؤلفات كثيرة في معظم تخصصات الفكر الإسلامي، إلا أنه اشتهر لدى المؤرخين المغاربة والأجانب، بصفة خاصة بكتابه المعروف “سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس”. ينحدر الرجل من العائلة الكتانية المعروفة بمدينة فاس، ومن هنا تنبع فرادة سلوكه السياسي مقارنة بأفراد آخرين من العائلة نفسها. وكونه فردا من هذه العائلة يعني أنه كان ينتمي إلى عصبية مهمة من عصبيات مدينة فاس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. هذا الانتماء يفسر ذلك الوزن السياسي الذي كان لهذا العالم في تلك الفترة من تاريخ المغرب. فبالإضافة إلى المكانة التي كانت لمحمد بن جعفر الكتاني وسط العلماء باعتباره أحد أفراد هذه الفئة المتميزين، فإنه كان كذلك من جملة شخصيات العائلة الكتانية المهابين لدى العامة والخاصة. محمد بن جعفر الكتاني إذن ينتمي إلى عصبية قوية ذات جاه في الوسط الفاسي، كونها تجمع بين الشرف والعلم والصلاح. فجده ويدعى الطائع الكتاني، كان من أسرى حرب تطوان. وأبوه جعفر فقيه نوازلي مشهور، وخاله عبد الكبير الكتاني هو شيخ الزاوية الكتانية المحمدية، وابن خاله محمد بن عبد الكبير الكتاني هو صاحب الدور الكبير في البيعة المشروطة، وابن خاله الثاني، عبد الحي الكتاني، هو العلامة الذي سيكون له شأن كبير في المغرب إبان الحماية الفرنسية.
مروان الجزولي
تتمة المقال تجدونها في العدد 3 من مجلتكم «زمان»