فيما كان اللاعبون، فرنسيين ومغاربة وآخرين، يمارسون هوايتهم الكروية، كانت سلطات الحماية ورجال الحركة الوطنية يمارسون الشد والجدب، بعيدا عن الملاعب أو بالقرب منها.
تشير إحدى الدراسات إلى أن كرة القدم بدأت في المغرب منذ السنوات الأولى من فترة الحماية، دون أن تلقى اهتمام جميع الفئات الاجتماعية، فلم يقبل عليها إلا «السلاگط» الذين كانوا يلعبونها في أزقة مدينة فاس بجوار باب گيسة، على الرغم من اشمئزاز غيرهم. ويذكر مرجع آخر إلى أن هذه اللعبة صارت منتشرة داخل المدن، يتهافت عليها الجميع، ويسعون إلى ممارستها في الملاعب في إطار جماعي من خلال تكوين فرقهم الرياضية. ثم تحولت الملاعب إلى ميادين للصراع السياسي، ففيما كانت السلطات الاستعمارية الفرنسية تبذل مجهودات للتحكم فيها، عملت الحركة الوطنية على تخليص شريحة مهمة من المجتمع المغربي من الوقوع في شراك الخطاب الكولونيالي.
ثلاثة عقود من الهيمنة الكولونيالية
أدى فرض نظام الحماية سنة 1912 إلى ارتفاع عدد الفرنسيين في المغرب، سواء كانوا من المدنيين أم من العسكريين، فاتجهوا إلى نقل نمط عيشهم إلى المدن والبوادي، بما في ذلك ممارسة كرة القدم من خلال الفرق التي أسسوها. ومن أشهرها، في مدينة الدارالبيضاء، الاتحاد الرياضي المغربي (اليوسام) سنة 1913 ونادي الراسينغ المغربي (الراك) سنة 1917، وفي مدينة الرباط، الأولمبيك المغربي وسطاد ماروكان سنة 1919. ومن أجل تنظيم المباريات فيما بينها، أحدثت الجامعة الفرنسية لكرة القدم (ف.ف.ف.)، سنة 1916، «عصبة المغرب لكرة القدم» (ل.م.ف.أ.)، إلى جانب عصب وهران والجزائر وقسطنطينة وتونس. وقد نظمت تلك العصبة المواسم الكروية في مختلف الأقسام، وفي مستويات الكبار والشبان والفتيان والصغار، إلى جانب الفرق التي كانت تعرف بـ«الكوربوراتيف». وحرصت على إعطاء اللعبة طابعا عنصريا، حيث منعت الفرق الأوربية، مثلا، من إدراج أكثر من لاعبَيْن مغربيين في ورقة المقابلة، وفرضت على «الفرق الأهلية» قبول ثلاثة لاعبين أوربيين في صفوفها. وقبل هذا وذاك، استفادت تلك الفرق من ظهير 24 ماي 1914 الذي قيد حرية المغاربة في تأسيس الجمعيات، فكان طابعها الكولونيالي واضحا.وتمكن بعضها من الهيمنة على بطولة المغرب التي كانت تشرف عليها تلك العصبة، وخاصة اليوسام الذي فاز بها 15 مرة، مستفيدة من خدمات المغاربة المتألقين في الملاعب، مثل العربي بن مبارك ومحمد بلحسن «الأب جيگو». ولهذا، كانت تضغط على إدارة العصبة، من أجل المحافظة على هيمنتها، خاصة في مواجهة «الفرق الأهلية» الصاعدة بسبب ازدياد الوعي الوطني.
نجيب تقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 9 من مجلتكم «زمان»