تكاد المصادر تجمع على أن المرينيين كانوا سباقين إلى بناء المدارس في المغرب لتوطيد أركان الدولة بالاستناد على دعامة دينية فكرية وعلمية وليس فقط بالقوة العسكرية.
ارتبطت مسألة المدارس عند المسلمين بانبعاث حركة أهل السنة بالمشرق الإسلامي على حساب مختلف فصائل التيار الشيعي، فالمدرسة مؤسسة سنية صريحة منذ ظهورها أوائل القرن 5هـ/ 11م. في حين ارتبط ظهور المدارس في المغرب، وتحديدا مع التجربة المرينية، بسياق تاريخي مختلف، غاب عنه التنافس المذهبي، وأملاه بحث الدولة المرينية على قنوات لإثبات شرعيتها بعدما نشأت فاقدة لتلك الشرعية لها. يعود إنشاء أول مدرسة مستقلة في المغرب الأقصى شبيهة في هياكلها بمدارس المشرق الإسلامي إلى سنة 635هـ/ 1237م، عندما أسس على يد الفقيه أبي الحسن الشاري الغافقي (ت. 649هـ/ 1252م) مدرسة بمدينة سبتة. وهي بذلك أقدم مدرسة في بلاد المغرب والأندلس، وقد استقبل هذا المشروع استقبالا حسنا في الأوساط العلمية المغربية. وأصبح اليوم مؤكدا أن المخزن الموحدي أنشأ المدارس، بالمفهوم السابق أو قريب منه، بدليل وقفية كتابين حبسا من طرف الخليفة الموحدي المرتضى (646-665هـ/ 1246-1266م) على مدرستين بمراكش هما: مدرسة القصبة (يظهر أنها مدرسة ملوكية داخل القصر)، ومدرسة جامع المرتضى وهي (جامع ابن يوسف). غير أن ندرة المعلومات في المصادر المتوفرة لا تسمح بتكوين فكرة عن هاتين المدرستين، فلا يُعرَف تاريخ تأسيسهما، ولا موارد الإنفاق على الطلبة، وأداء أجور الأساتذة. وكل ما نعلم، أن تاريخ تحبيس الكتابين هو سنة 658هـ/ 1260م، ويتزامن هذا التاريخ مع بناء الحفصيين لمجموعة من المدارس في إفريقية، وقد يكون للمنافسة بين الجانبين دور في هذا التأسيس، كما قد يكون لرغبة الحكم في التقرب من المالكية دور في ذلك. هذه المعلومة لا يعرفها غير المتخصصين إذ قد يتساءل القارئ: وما علاقة المدارس بالمالكية؟
محمد ياسر الهلالي
تجدون تتمة المقال في العدد 18 من مجلنكم «زمان»