جسدت المرأة في شمال أفريقيا الكثير من الصور المتناقضة، تعددت بين الحزن والفرح، وبين الشر والخير، كما تحولت من اعتبارها قرابين، في البداية، إلى آلهة.
شكلت المرأة عبر التاريخ مصدر إعجاب وإرغاء، افتتن بها الرجال، وسخرتها الآلهة، واحتمى بها الأبناء. إنها مصدر الحياة، تستمد قوتها من قدرتها على الإنجاب، ضامنة استمرار الجنس البشري، تُحول النطفة والعلقة إلى جنين قبل أن تضع المولود، ترعى الناشئة، وتعاشر الرجل، وتحمي الكهل والمسن والضعيف، وبذلك ألهتها الشعوب والحضارات القديمة إكراما واعترافا لخصالها. قوتها تكمن في دهائها ومكرها الذين يشتدان مع كبر سنها. يقدم هيرودت، “أب التاريخ” ، في مؤلفه “الحواديث” صورا نمطية عن نسوة شمال أفريقيا، ينتقل فيها من المشاعة والاستباحة إلى التقديس والعبادة، وهو بذلك، يوظف المرأة لتمرير خطاب مزدوج يجمع بين الطابع المقدس والطابع المدنس للمرأة التي كانت تجسد، في نظره، صورة المجتمع الأميسي، في حين أن المجتمع الإغريقي كان يعيش النظام الأبيسي. وقد وظف هيرودت موضوع المرأة من أجل إبراز تفوق الحضارة اليونانية على باقي الشعوب البربرية المتوسطية، وركز على موضوع المرأة باعتبارها تجسد عماد المجتمع الأميسي، ومحور العادات والتقاليد التي تحرص الشعوب على ممارستها والحفاظ عليها. مزج هيرودت بين عدة صور متناقضة للمرأة في شمال أفريقيا، وجمعها في لوحة يتجسد فيها النمط المقدس والتدنيس. فقد أضفى هيرودوت طابع التعجب والسخرية على مجوعة من الممارسات التي كانت تقوم بها ساكنة بلاد ليبيا، واجتهد في تقديم صورة مغرية عن نسوة شمال أفريقيا على شاكلة “لوحة الموناليزا”، وهي تجسد التناقض بين الخير والشر والفرح والحزن والمقدس والمدنس.
من البرونز حول كل ساق، ولهن عناية خاصة بتسريح شعورهن (…)، ومن عادة الليبيين أنهم الوحيدون الذين يقدمون للملك البنات البالغات، فإذا استحسن إحداهن افتض بكارتها”. يتبن أن عذرية نسوة شمال أفريقيا كانت أمرا مطلوبا، بل ربما كانت مفروضة على الفتيات.
يزيد هيرودوت من تطلع ولهفة الآخر لمعرفة أخبار نسوة بلاد ليبيا بأن جعلها تحت تصرف الرجل، إذ “من عادات رجال الناسمونيين أن يتخذ كل واحد منهم عددا كثيرا من الزوجات. وفي مجال العلاقات الجنسية، فالمرأة مشاعة عندهم (…)، وإذا أرد أحد منهم معاشرة امرأة، فإنه يغرس عمودا أمام المكان الذي يوجد فيه، إشارة إلى رغبته في امرأة تشاركه الفراش. وعندما يتزوج شخص من الناسمونيين لأول مرة، فمن عادات القوم إقامة حفل خاص بذلك، يتعاقب خلاله الضيوف واحدا تلو الآخر على العروس. وبعد مضاجعتها، يقدمون لها هدايا”.
سعيد البوزيدي
تتمة المقال تجدونها في العدد 33 من مجلتكم «زمان»