ترجع أولى الإشارات إلى المسيحية في المغرب إلى القرن الرابع الميلادي. وهو يمثل بذلك آخر مناطق شمال إفريقيا تعرفا على الدين الجديد، في حين تأكد وجود المسيحية في قرطاج منذ سنة 180 على الأقل.
في 30 أكتوبر 298، قدم الجندي مارسيل للمحاكمة في طنجة، أمام القائد البريتوري أوريليوس أگريكولانوس. كانت موريطانيا الطنجية يومها تخضع للإمبراطورية الرومانية، وترتبط إداريا بإسبانيا باعتبارها إحدى الولايات الست المكونة لأبرشية الإسبانيات. حكم على مارسيل بالإعدام بالسيف عقابا له على رفض الخدمة في الجيش الإمبراطوري. قبل ذلك بثلاثة أشهر، وبالضبط يوم 21 يوليوز 298 أثناء الاحتفال بعيد الإمبراطور، ألقى مارسيل سيفه وحمالته على الأرض وأعلن عصيانه، مؤكدا أنه «لا يستطيع أن يقسم على الخدمة إلا في جيش يسوع المسيح». قدم مارسيل، وهو قائد لمائة جندي، أولا أمام حاكم منطقة غاليسيا بإسبانيا، حيث كان يعمل في إحدى الحاميات العسكرية، فقرر أن يرسله إلى طنجة لمحاكمته علي يد رئيسه أگريكولانوس. أمام الأخير، اعترف مارسيل بـ«جريرته»، وتقرر أن يعاقب بالسيف. لكن أطوار المحاكمة لم تتنه هنا. فبمجرد ما نطق القاضي بحكمه حتى حدث ما لم يكن أحد يتوقعه، انتفض الكاتب كاسيان واقفا، ورمى على الأرض بألواحه وقلمه، ووجه كلامه إلى أگريكولانوس: «لقد حكمت حكما جائرا». كان كاسيان كاتبا في المحكمة، مكلفا بتسجيل الأسئلة والأجوبة، وكان مسيحيا مثل مارسيل. ألقي به مباشرة إلى السجن، وبعد شهر مثل أمام أگريكولانوس، وكان مصيره القتل هو الآخر.
تعتبر قصتا آلام مارسيل وكاسيان أقدم أثر وصل عن انتشار المسيحية في المغرب. وهما تصنفان ضمن المرويات الأدبية. وتحوم الكثير من الشكوك حولهما، وخاصة حول قصة الكاتب كاسيان التي تبدو منتحلة من قصص آلام لشهداء آخرين. وحتى إن كانت القصتان تتضمنان نصيبا من الحقيقة، فلا يمكن الاستدلال بهما على وجود جماعة مسيحية محلية بمدينة طنجة. فالجندي مارسيل لا علاقة له بالمغرب، ولا بتاريخ المسيحية فيه، إذ يبقى جنديا إسبانيا قادته «جريرته» من غاليسيا إلى طنجة ليحاكم فيها. أما كاسيان فينحدر من موريتانيا الطنجية، ويعتبره جيروم كاركوبينو، في كتابه «المغرب العتيق» الصادر سنة 1943، «قديسا موريتانيا بالأصالة». لكن قصته على الأرجح مجرد «تصويب أدبي محض»، باعتراف كاركوبينو نفسه.
حول قصتي مارسيل وكاسيان يقول محمد المبكر، أستاذ التاريخ القديم بكلية الآداب بفاس، في كتابه «المسيحية والترومن في شمال إفريقيا»: «ومهما يكن من أمر، وحتى لو ثبت أن الشهيدين كانا من أصل موريطاني، فإن ذلك -في تقديرنا- لا يعني أي انتشار للمسيحية في فترة استشهادهما (القرن الثالث). أما بعد ذلك، فلا نستبعد وجود جماعة مسيحية في مدينة طنجة، وإن كنا لا نتوفر على أي إشارة صريحة إلى أبرشية أو أسقف بطنجة نفسها».
خالد الغالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 10-11 من مجلتكم «زمان»