تأتي قضية خوض المغاربة عباب البحر في تنقلاتهم ضمن إشكال طالما طرح في العديد من الكتابات، مالت في معظمها إلى أن المغاربة أداروا ظهورهم للبحر كلية، وهو تعميم لا يراعي السياقات التاريخية التي يجدر بالمؤرخ الانتباه إليها.
توفر مورفولوجيا السواحل المغربية عوامل مساعدة على الملاحة البحرية من مصبات للأودية ورؤوس وخلجان ملائمة لإقامة مراسي طبيعية، إضافة إلى منابع عذبة للمياه بمحاذاة السواحل… وقد كان الساحل المتوسطي أكثر ملاءمة لأنه شديد التقطع، وكثير الخلجان مما أسهم في ظهور مراسي صغيرة، وشجع على توظيف البحر في التنقل، مما سمح ببروز مراسي مشهورة في هذا المجال مثل مليلية وسبتة، هذه الأخيرة كانت لها مكانة معتبرة أكثر من غيرها، حيث اعتبرت معبرا بحريا استراتيجيا.
وقد اتخذ مغاربة العصور الوسطى من خلجان وجبال وجزر وأودية الساحل المتوسطي ستارا من الرياح وحامية للسفن، وهو ما لم يتيسر في السواحل الأطلسية .ولم يبذل المغاربة جهدا في هذا الإطار قبل القرن 6هـ/12م، لا سيما أنهم خبروا أن الملاحة في البحر الرومي (البحر الأبيض المتوسط) كانت أيسر من نظيرتها في بحر الظلمات (المحيط الأطلسي)، لكون حركة الرياح الشرقية والغربية كانت عاملا مساعدا على تحرك المراكب. في حين لم تكن هذه المراكب تتحرك في المحيط إلا مع الرياح الغربية لا سيما في فصل الشتاء حيث العواصف والأمطار.
بالإضافة إلى الجهد العضلي لتحريك المراكب، وظف المغاربة الطاقة الريحية في تنقلاتهم البحرية لا سيما الطويلة منها، كما استرشدوا «بظواهر أخرى للاستدلال بها في أوقات الملاحة ومكامن الخطر في البحر، من قبيل النجوم [ليلا]، وفصول السنة، وساعات الليل والنهار، وحركة المد والجزر، وبعض الطيور والأحياء البحرية [نهارا]» .واسترشدوا أحيانا ببعض العلامات المشهورة بين الملاحين، مثل صنم قادس الذي كان يستدل به البحارة «السالكين لخطوط الملاحة الرابطة بين مرافئ الأندلس وبين نظرائها بعدوة المغرب الأقصى».
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 110 من مجلتكم «زمان»