في كل مرة يمد المغرب يده للجزائر حفاظا على وحدة الصف المغاربي، ومراعاة لحسن الجوار الممتد عقودا من الزمن .لكن قادة الجزائر يأبون ويتمادون ويهدمون تاريخا مشتركا بين البلدين.
أضحى المغرب، في الآونة الأخيرة، يقلق راحة بعض الدول، وذلك للمكانة التي صار عليها بفضل انفتاحه وتوقيعه شراكات واتفاقيات مع دول قوية .ويطمح المغرب، بذلك، إلى تحسين صورته وتوسيع آفاقه وإلى الدفع بالقارة الإفريقية لتصبح رائدة على المستوى العالمي.
هذه المكانة أقلقت قيادة الجزائر، وبالأخص رئيسها عبد المجيد تبون كما جاء على لسانه، فصار يتحيّن الفرصة ليعرب بأن المغرب «لا يتقدم» وأنه يكيل لهم العداء. فادعى تارة، ودون حجة ومنطق، أن المغرب يغرق بلده بالمخدرات ويسعى لتخريب شبابهم، في حين أن حدوده مغلقة ويزعم إحكامها. ثم انتقد، تارة أخرى، استئناف المغرب علاقاته مع ما يسميه بـ“الكيان الإسرائيلي“، في حين أنه لا يعترض ولم يقطع علاقاتها مع الإمارات أو الدول العربية “المطبّعة“ الأخرى.
كثيرة هي ادعاءات الجزائر من طرف رئاستها، دون سبب أو مبرر. وبالمقابل، كثيرة هي أيادي المغرب الممدودة للتعاون والتقارب. أهمها ما جاء على لسان رأس الدولة، الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة عيد العرش لهذه السنة؛ إذ جدّد الدعوة للجزائر «للعمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار». فماذا كان رد الجزائر الرسمي؟ لا شيء.
أيادي المملكة ظلت ممدودة للتعاون بعد الخطاب الملكي، إذ بُعيد أيام عرض المغرب مساعداته على الجزائر لإخماد حرائقها في شهر غشت، وذلك بأمر من الملك شخصيا .لكن تبون تحاشى العرض وصرّح بشكل مقصود بأنه سيطلب مساعدة الدول الأوربية، بل وتمادى في اتهام المغرب بإشعال الحرائق .ولم تتوقف قيادة الجزائر عند هذا الحد، بل انتقلت من قطع العلاقات الدبلوماسية إلى حظر مجالهم الجوي عن الطائرات المدنية والعسكرية المغربية.
لا يفتأ تبون ومن معه ينتقصون من مكانة المغرب وقدره، فيروجون لمزاعمهم عبر قنواتهم الإعلامية. لكن وبخلاف ما تعرضه قناتا “النهار“ أو “الشروق“ وغيرهما من مغالطات حول المغرب، فإن وسائل التواصل الاجتماعي بالجزائر تعكس و“تفضح“ ما تنقله الرواية الرسمية؛ فتنتقد انشغال قادة الجزائر بالمغرب بدلا من توفير أبسط شروط الحياة: ندرة الماء، الخبز، الغاز، الحليب.
يفسر خبراء السياسة هذا الأمر بأن محاولة خلق صراع “وهمي“، هي عملية مقصودة وتكتيك تنهجه الدولة الضعيفة التي تعيش توترا مجتمعيا حساسا. وبحسب بعض المراقبين، فإن التصعيد بهذه الوتيرة «قد لا يبشر بخير»، وسيضر الجزائر ما دامت لا تستجيب لنداءات الداخل أو الخارج، لكنه يفيد المغرب ويجعله أكثر قوة ما دام هادئا ومتزنا.