ظهر ابن تاشفين، في البداية، بشكل خافت في معركة الواحات التي قاد فيها جيش المرابطين، قبل أن يفرض نفسه ويكون أول من أقام دولة مركزية في تاريخ المغرب.
بدأت الحركة المرابطية في التشكل، منذ أن قرر عبد لله بن ياسين الانتقال بأنصاره إلى الرباط الذي أقامه في أعالي حوض نهر السينغال، على الأرجح، وبعد سنوات من التكوين المذهبي والتدريب العسكري في هذا الرباط، خرجت جماعة أنصاره لبث دعوته، وقتال المخالفين لها. وبعد مقتل يحيى بن إبراهيم الكدالي في إحدى المعارك، وهو الذي كان السند الرئيس لابن ياسين وحركته، ارتأى هذا الأخير نقل زعامة الحركة لقبيلة لمتونة ذات القوتين البشرية والمادية، والتجربة في قيادة الأحلاف الصنهاجية السابقة. بعدها، وبدوافع متعددة، ارتأت الحركة المرابطية، ابتداء من نهاية 447هـ/ 1055م، مغادرة المجال الصحراوي في اتجاه الشمال للسيطرة على مجال المغرب الأقصى.
إلى حدود هذه اللحظة، لم يكن اسم يوسف ابن تاشفين قد برز على الساحتين السياسية والعسكرية للحركة المرابطية، إلى أن ظهر بشكل خافت في معركة الواحات سنة 448هـ/ 1056م، التي قاد فيها جيش المرابطين، وبعد ضم مدينة سجلماسة عيَّنه الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني واليًا عليها، فأظهر حنكة “إدارية” في تنظيمها. وقد كان لقرار أبي بكر، الذي جمع بين القيادتين الروحية والعسكرية بعد مقتل ابن ياسين في الصراع مع برغواطة سنة 451هـ/ 1059م والعودة إلى الصحراء سنة 453هـ/ 1061م لفض النزاع بين القبائل الصنهاجية المتنازعة على الزعامة وعلى الامتيازات الاقتصادية، دور أساس في بروز شخصية يوسف، بعد أن ولاه أبي بكر القيادة العسكرية بالنيابة، بتزكية من شيوخ المرابطين، إلى حين العودة مجددا.
أمير المسلمين وناصر الدين
في هذا الوقت، ارتأى ابن تاشفين أن يتخذ مجموعة من الإجراءات السياسية والعسكرية التي تثبته في رئاسة الحركة، كان أهمها إدخال إصلاحات على الجيش المرابطي، حيث أعاد تنظيمه ليضمن ولاءه ورفع عدده، وأدخل عناصر جديدة مدربة خصوصا على صناعة الأسلحة من أتراك وروم، ثم خطط لإقامة مدينة يستقر فيها الجيش ومرافقوه، فوقع الاختيار على بناء مراكش سنة 462هـ/ 1070م بعدما ضاقت مدينة أغمات بالجيوش المرابطية. كما أقدم على تقسيم المناطق التي تمت السيطرة عليها إلى إمارات على رأس كل منها قائد صنهاجي لمتوني، فشكل ذلك أحد مظاهر بوادر احتكار قبيلة لمتونة للمناصب السياسية والعسكرية.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 6 من مجلتكم «زمان»