كان بيت «لْكْراسي» بيت علم وفقه وأدب، تولى أبناءه القضاء والفتوى بتطوان، ويعد هذا البيت الواقع بأذوز في عمق الريف معلمة تجسد التمازج الثقافي الأندلسي الريفي، سيما في جانبه المعماري.
عد البيوتات عنوان أصحابها، تبين علو كعبهم أو انخفاضه، وتعكس مكانتهم الاجتماعية، كما تعبر عن مدى تجذر نسبهم وعراقة شرفهم، ويبقى الانشغال بالعلم والاشتغال بالتجارة أبرز ما يمنح هذه البيوتات التميز. وقد شكلت البيوتات الحضرية بالمغرب، ومنذ العصر الوسيط، علامة بارزة في إظهار التفوق الطبقي والتميز الاجتماعي. هذا عن البيوتات الحضرية، فماذا عن البيوتات القروية؟
قد يعجب الزائر لمدشر أذوز بجماعة الرواضي بإقليم الحسيمة، وهي منطقة قروية، بتصميم هذا التجمع السكني الفريد من نوعه بالريف بشمال المغرب، حتى ليخال للمرء، وهو يتجول بين أزقته التي تفضي إلى ساحة واسعة يتوسطها مسجد عتيق يعود إلى العصر المريني، أنه في حي من أحياء مدينة عتيقة من العصر الوسيط، ومما يستوقفه ويشد انتباهه أكثر باب إحدى البيوتات بشكله الهندسي وفنه المعماري المتميز، ويزداد إعجابه إذا ما أتيحت له فرصة الولوج إلى داخل البيت واكتشاف بعض من خباياه. إنه بيت «لْكْراسي»، الذي ما يزال يعرف بين الأذوزيين بالريف في الشمال المغربي.
شاهد على استسلام البرتغاليين
فمن هم الكراسي الذي مازال بيتهم، وعنوان مكانتهم الاجتماعية صامدا بقرية أذوز بالريف شمال المغرب رغم أنه لم يبق لهم خلف بالمنطقة؟ الكرّاسي، بكاف مضمومة وراء مشددة كما وردت عند ابن عسكر الشفشاوني صاحب «دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر»، وبكاف مفتوحة كما أثبتتها موسوعة معلمة المغرب بقلم محمد بن عزوز حكيم، و«لْكْراسي» بلام وكاف ساكنين وراء غير مشددة كما تنطق محليا، هي أسرة أندلسية نزحت إلى قرية أذوز بقبيلة بقيوة، كما كانت تسمى زمانئذ حوالي سنة 901هـ/ 1495م بعد سقوط غرناطة في يد الإفرنج، أذوز الواقعة «على ثلاثة فراسخ من بادس»، وبها استقرت قبل أن تهاجر إلى مدينة تيطاوين مرة أخرى.
عبد العزيز طليح
تتمة المقال تجدونها في العدد 38 من مجلتكم «زمان»