فرضت مخاطر الاحتلال البرتغالي للمغرب، في القرن السادس عشر، اجتهادا غير مسبوق، توافقت بموجبه نخبة علماء المغرب على تقاسم السلطة بين سلطانين متنازعين. عودة لخلفيات هذه السابقة التاريخية.
تحتفظ “حركة أنماي” بموقع متميز في سجل المعارك والصراعات الكثيرة حول السلطة، التي يحفل بها تاريخ المغرب كما تاريخ العديد من الدول العريقة. لا ترتبط أهمية هذه “الحركة” بمن خرج فيها منتصرا، بل بكونها تحديدا لم تسفر عن أي منتصر ولم ينهزم فيها أحد.
في سابقة فريدة من نوعها في تاريخ البلاد، اهتدت النخب المغربية، في ذلك الزمان، إلى حل توافقي حقن دماء المتصارعين على توحيد البلاد تحت راية سلطة واحدة. حل نتج عنه عمليا اجتهاد سياسي فقهي غير مسبوق في نطاق القواعد التقليدية للشرعية السياسية. تحولت “حركة أنماي” إلى صلح أنماي في سنة 1531، توافق بموجبه الوطاسيون والسعديون، من خلال العلماء الممثلين لكل طرف، على اقتسام النفوذ حقنا لدماء المسلمين، في سياق ظروف خطيرة تهدد بتوسع الاحتلال البرتغالي من الثغور الأطلسية نحو أعماق المغرب.
لم يكتب لهذا الصلح أن يستمر طويلا، إذ سرعان ما عاد التنازع بين الطرفين لينتهي بسيادة السعديين وتوحيد البلاد، لكن أهميته لا تقتصر على مؤداه السياسي بل تتجاوز ذلك لتسلط أضواء جديدة على إمكانيات الاجتهاد لتحقيق المصلحة العامة، في ظل إكراهات الواقع، خاصة في الظروف الصعبة.
إسماعيل بلاوعلي
تتمة الملف تجدونها في العدد 31 من مجلتكم «زمان»