خضعت ظاهرة الزواج المبكر بعد استقلال المغرب لعدة تقلبات وإكراهات، منها القوانين المؤطرة بالأعراف والفقه المالكي، وكذلك المحددات المجتمعية والإكراهات الدولية. يتتبع هذا المقال المسارين القانوني والمجتمعي لتزويج القاصرات.
يندرج البحث في ثنايا موضوع تزويج القاصرات ضمن القضايا القانونية والحقوقية للزمن الراهن بالمغرب، إذ أن هذه الظاهرة كانت لها محددات متعلقة بسياقات تاريخية قبل أن يقر لها المغرب قانونا يخص الشخص القاصر أثناء إقدامه على الزواج أو التزويج. وما يهمنا في هذا المقال هو التحولات القانونية التي أطرت تزويج القاصرات منذ حصول المغرب على استقلاله، وبالتحديد منذ إقرار مدونة الأحوال الشخصية سنة ،1957 إلى غاية الآن حيث يجري إعداد مشاريع تعديل مدونة الأسرة. بعد حصول المغرب على استقلاله، باشرت الدولة عملية الخروج من مرحلة العمل بالفقه المالكي “والراجح والمشهور“ التي كان معمولا بها لدى القضاة، إلى مرحلة صياغة قانون ينظم العلاقات المجتمعية والأسرية، فأصدرت في 19 غشت 1957 ظهيرا يقصد منه إعداد مدونة خاصة بأحكام الفقه الإسلامي، هي التي ستعرف باسم “مدونة الأحوال الشخصية“. وكان الدافع، حسب ما جاء في ديباجة الظهير، هو أن «مادة الفقه الإسلامي بغزارتها ودقتها وتشعبها، يمكن أن يؤدي النظر فيها إلى تأويلات عديدة»، فأصبح حينها من الضروري «جمع أحكام الفقه الإسلامي في مدونة تيسر وتسهل إجراء العمل به وتطبيق مقتضياته، ورعيا لما في ذلك من الفائدة للمتحاكمين والنتيجة الحسنة لضمان سير القضاء».
صدرت مدونة الأحوال الشخصية بواسطة خمسة ظهائر شريفة، «كان أولها بتاريخ 22 نونبر 1957، وكان آخرها بتاريخ 3 أبريل 1958». يقول الباحث محمد الكشبور إن واضعي المدونة اعتمدوا أساسا على المذهب المالكي كمصدر رئيس لها، «غير أنهم رجعوا في بعض المسائل للمذاهب السنية الأربعة الأخرى، بالإضافة إلى المذهب الظاهري». واحتوت المدونة على 297 فصلا، لكن المشرع ترك المجال مفتوحا لما سكتت عنه القوانين «ليرجع فيه إلى الراجح أو المشهور أو ما جرى به العمل من مذهب الإمام مالك». ونقرأ ما كتبه علال الفاسي، مقرر اللجنة التي وضعت المدونة، في التقرير قائلا: «إذا أردنا أن ندون الفقه في المغرب لتقريبه للمحاكم المغربية، وجب أن نراعي المذهب المالكي بقدر الإمكان».
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 121 من مجلتكم «زمان»