لا يقتصر تزويج القاصرات على سكان المغرب فقط، فبإزاء المجتمعات العربية والإسلامية، عرفت الشعوب البدائية والحضارات الأولى عادة تزويج القاصرين من الشبان والفتيات في سن مبكرة جدا. لكن في القرن 21، ما يزال المغرب يعرف انتشار هذه العادة، بل وترتفع فيه عدد الزيجات بالرغم من سن قوانين تراعي صون حقوق الأطفال والنساء. فما أصل حكاية هذا الزواج بالمغرب وعلاقته بالعرف والدين والقانون؟
تشابه تقريبا تاريخ المغرب في شكله القبلي مع باقي الشعوب، في ما يخص وضعية المرأة داخل العائلة، فـ”الباترياركا” في المجتمع الزراعي جعلت السلطة بيد الأب، يقسم العمل ويقرر في مصير أبنائه، ويراعي كذلك صورة أسرته داخل القبيلة. هذا الأمر أثر بطبيعة الحال على وضعية القاصرات في النظام الأسري.
التزويج عبر التاريخ
دأبت الشعوب عبر التاريخ على تزويج أبنائها مبكرا حسب تقاليدهم، إذ كان ينظر بانتقاص إلى الشاب الذي بلغ سن الزواج ولم يجد زوجة وليس له ذرية. وبإزاء حاجة الشاب إلى إشباع رغبته الجنسية، فقد ارتبط الزواج لدى الشعوب الزراعية بضرورة إيجاد رفيقة تبحث عن الحطب والماء وتشعل النار وتحضر الطعام وتصنع الجلود والملابس وتزرع الأرض. هذا الحال عرفته كذلك القبائل المغربية التي عمرت شمال إفريقيا. في موسوعته عن “تاريخ الزواج”، يعرض الأنثروبولوجي إدوارد فيسترمارك بعض العادات التي دأبت عليها الشعوب البدائية عبر التاريخ في مختلف قارات العالم. ويذكر على سبيل المثال أن هنود القارة الأمريكية الجنوبية اعتادوا ألا تظل امرأة بدون زواج، كيفما كانت، فتاة يافعة أو أرملة، إلا اللواتي بلغن من الكبر عتيا. وكان الشائع أن يزوج الأهل أولادهم في سن الطفولة، خاصة لدى شعوب الأراواك والماكوزي. ولدى شعوب أخرى، كالسكان الأصليين لأستراليا، ما إن تصل الفتاة لسن معين حتى تتزوج، وكان يعقد الزواج في سن مبكرة، حيث تؤخذ المخطوبات من أهاليهن بين سن الثامنة والرابعة عشرة، لدرجة لم توجد فتاة من غير زواج بعد سن السادسة عشرة. وفي إفريقيا، لا سيما لدى قبائل البوشمان، ينعت الشاب غير المتزوج بأنه غير طبيعي، وينظر إليه بسخرية واحتقار. أما في المحيط الهندي لدى السكان الأصليين فقد كانت بعض القبائل تعقد الخطوبة قبل الولادة أو في سن مبكرة جدا، بحيث يمكن للزوج أن يأخذ الفتاة عنده ليقوم بتربيتها إلى أن تبلغ سنا مناسبا.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 67 من مجلتكم «زمان»