رغم قساوتها، قد تشكل أزمة كورونا قنطرة صغيرة تسهل مرور “التمغربيت” التي تسكننا من روح الوطنية إلى المواطنة.
نحن في فرنسا، في مدرسة بسيطة بضواحي العاصمة باريس. يتم استدعاء كل التلاميذ الصغار لإعداد عرض تقديمي. أحد الأطفال، من أصول مغربية، يرث موضوعًا صعبًا للغاية: تقديم عرض تقديمي عن بلد والديه، المغرب. الطفل عالق. الموضوع يبدو سهلا ولكنه ليس كذالك. الطفل في حير ة من أمره، لا يعلم ماذا يُقَدِّم وماذا يُؤَخِّر. ما هو المغرب، كيف نلخصه، نقوله، نوضحه، نفجره؟ بماذا تبدأ؟ كيف يمكن تكوين الفكرة وترميمها في عقل صغير، وما هي الطريقة الأنجع لنقل “الرسالة” و تمريرها لأطفال فرنسيين لا دراية لهم بالأمر أصلا؟
بعد عدة أيام من الشكوك والتردد، يصل التلميذ الصغير إلى اليوم المحدد للعرض. الجميع ينتظر. بماذا أفرزت تخمينات الولد حول سؤال جوهري، ومذا يكون المغرب إذن؟
وهنا تقع المفاجأة. وقف الصغير أمام الجميع وصمت. ثم فتح حقيبته اليدوية وأخرج… صينية من الكعك المغربي الذي أعدته والدته ! وانطلق، بعد تردد خفيف، في إخراج ما تبقي في جعبته وأخذ في تقديم الشروحات اللازمة لوصفته السحرية التي لم يكن ينتظرها أحد. وصمتت القاعة في بداية الأمر، ثم أخذ الصغار يصفقون وينتقلون لتذوق طابق الكعك كما أن شيئا لم يقع…
هذه القصة الجميلة ليست حقيقية، لكن كان من الممكن أن تكون كذلك. هي نبذة عن فيلم قصير يحظى بتقدير كبير، “L’Exposé” أو “العرض”، أنتج عام 1993 من قبل مخرج فرنسي ذي أصول مغربية: إسماعيل فروخي.
نظرة واحدة خَيْرٌ من ألف شرح
المغرب هو الكعك وأتاي؟ ولم لا؟ قد يبدو الأمر فولكلوريا ولكنه ليس كذلك. إذا تحررنا من الضغط الأيديولوجي، إذا وضعنا جانبا كل ما هو عقائدي وديني، إذا تخلصنا من الهاجس السياسي، إذا تجردنا الأساطير الموروثة والكلام المعسول كما يقول المختار السوسي، ماذا تبقى من أمرنا؟ ما هي غريزتنا؟ أين تكمن مغربيتنا؟ أين تختبئ وما هي كلمة السر التي توصلنا إليها؟
ربما لا يبقى شيء في نهاية المطاف، عدا نكتة دافئة على شكل “الكعكة وأتاي” التي صورها لنا فروخي، أو همسات الأم لرضيعها كما حكى عنها الروائي العالمي تشيكوف. هناك اختبار يسهل إجراؤه. عندما تسافر بعيدًا عن المغرب، وتضيع في شارع أو مفترق طرق أو أي مكان مليء بالناس، فإنك تحدق فجأة في شخص ما، رجل أو امرأة وسط الحشد، وأنت تقول في خاطرك، واثقًا من نفسك: «نعم، نعم، هذا الوجه، هذا الشخص دون سواه، بالأكيد مغربي!».
كريم البخاري
تتمة المقال تجدونها في العدد 83 من مجلتكم «زمان»