تطلعت النخب المغربية، مبكرا، لتنظيم السلطة وفق المعايير العصرية، لكن الحماية ساهمت في تعطيل هذه التطلعات، وخلق شروط “حكرة” مزدوجة. ماذا كانت مظاهرها؟ وكيف أثرت على المغرب المستقل؟
قد لا يفيد لفظ “حكرة” أي معنى في وصف العلاقة بين المواطنين والمسؤولين داخل دولة عصرية، إذ لا ينتمي لقاموس الحقوق والحريات الحديث. إذا جازت استعارة هذا اللفظ وتأويله بما يحيل على معاني الحق والحرية والمساواة، فإنه يغدو معبرا أيما تعبير على السياق المغربي. تصبح “الحگرة” تلخيصا، بالجملة، لكافة معاني انتهاك حقوق المواطنة في دولة عصرية. ربما أن هذا التأويل بالذات هو الذي يقصده مستعملو هذه الكلمة شعارا للاحتجاج السياسي على انتهاك حقوق معينة، أو لإدانة سلوك سياسي ما، في مختلف مستويات السلطة. يصبح الحديث حول “الحگرة”، وفقا لهذا التأويل، حديثا حول المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان وكل مقومات الحداثة. من نافل القول إن المغرب وجد نفسه، شأنه في ذلك شأن كل الفضاء العربي الإسلامي، متأخرا عن بلوغ هذا المستوى الحديث الذي بلغته مجتمعات أوربا الغربية في تنظيم السلطة وفقا للقواعد الديمقراطية. بات تدارك هذا التأخر ضرورة تاريخية، بداهة يفرضها الواقع، إذ يتأكد الناس يوما بعد يوم أن لا شيء يجعلهم أقل استحقاقا للحقوق التي يتمتع بها أقرانهم، في كل المجتمعات الديمقراطية، بعدما ساد النموذج الحديث خارج منشأه الأصلي في أوربا الغربية، وتأكد في الواقع العيني أنه من قبيل «الأعم المتاح للبشرية جمعاء».
صحيح أن أطروحة الخصوصية الثقافية التي تعفي المسلمين، باعتبار أصالتهم وفرادتهم، من استحقاق الحداثة الكونية هاته، ما تزال تلهم الكثيرين، لكنها تفقد الكثير من تماسكها، إذ تضطر لقبول أجزاء معينة من الحداثة. حتى أن أشد الرافضين لبعض الحقوق الطبيعية باسم الخصوصية الدينية، باتوا منذ بضع سنوات، من أكثر المطالبين بالبعض الآخر من تلك الحقوق، في ميدان الديمقراطية التمثيلية، من ترشح وانتخاب وتداول على السلطة…
إسماعيل بلاوعلي
تتمة الملف تجدونها في العدد 38 من مجلتكم «زمان»