لجأ حكام المغرب ومستعمروه إلى إحداث سجون ومراكز احتجاز، كوسيلة للضبط الاجتماعي ومعاقبة الخارجين عن الأعراف والدين، أو عن طوع الدولة.
أبرز إيميل دوركاهيم أن السجن يعتبر ضرورة اجتماعية لتفعيل مقتضيات الضبط الاجتماعي وحماية معايير العقل الجمعي. لذلك، حظيت المؤسسة السجنية دائما بأهمية قصوى لدى مالكي وسائل الإنتاج والإكراه. وفي السياق المغربي، جاء نظام السجون خدمة لعملية الضبط الاجتماعي وعقاب الخارجين عن المعايير الجمعية.
كانت السجون، في البداية، تلعب وظيفة إصلاحية في معظم الأحيان، إذ اعتبرت فضاءات للتهذيب والتأهيل، وكانت خاضعة لسلطة العامل أو القائد أو الباشا والذين يمثلون السلطة التنفيذية بحيث كانوا يسهرون على تسيير وتدبير أمور السجن والسجناء وكانت هذه السجون في معظمها قائمة على مبدأ التكافل والتضامن. ولن يعرف التاريخ المغربي السجون بمفهومها الحديث إلا مع الحقبة الاستعمارية، حيث حاول المستعمر، من خلال سن عدد من القوانين التي تنظم سلوك الأفراد، خدمة أجنداته الإمبريالية. يحاول الملف، الذي تقترحه عليكم مجلة “زمان” هذا الشهر، تسليط الضوء على تاريخ المؤسسة السجنية في المغرب على امتداد الزمن. ففيما يخص مرحلة ما قبل الحماية، يتناول الملف فترة العصر الوسيط التي عرفت انتشارا كبيرا للسجون وبروزا لظاهرة السجناء السياسيين. ثم يعرج على السجون التي بناها المولى إسماعيل في عدد من المدن لاستيعاب الأسرى الأوربيين، وكذا قصة سجن الصويرة الذي كان في قلب معركة دبلوماسية بين المخزن والقناصل الأوربيين. ثم جاءت السلطات الاستعمارية فبنت سجونها، إذ أحدثت السلطات الفرنسية عدة سجون ومراكز في مدن مغربية مختلفة أو حتى خارج المدن المركزية، كان أبرزها لعلو في الرباط وعين قادوس في فاس ومعتقل اغبالو نكردوس في قصر السوق، بالإضافة إلى السجون الفلاحية، واستقبلت هذه السجون معتقلي الحق العام والوطنيين المغاربة على حد السواء. أما الإسبان فقد استعملوا، في البداية، السجون الصغيرة القديمة التي كان بعضها يستعمل لاحتجاز الأسرى المسيحيين، قبل أن يقوموا ببناء مؤسسات سجنية جديدة. وأثناء حرب الريف، عمل الإسبان على سجن المغاربة في ثغري سبتة ومليلية وجزيرة النكور. ويتطرق الملف، في الأخير، إلى مرحلة ما بعد حصول المغرب على استقلاله، والمعتقلات السرية التي خصصت لتعذيب المعارضين، سواء لحزب الاستقلال الطرف الأقوى بعد رحيل فرنسا، أو لاحقا للتنكيل باليساريين الراديكاليين أو بالانقلابيين في عهد الحسن الثاني.
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 56 من مجلتكم «زمان»