عرفت الدولة المرينية أكبر عدد من اغتيالات السلاطين لأسباب كانت تجد نفسها في طبيعة الحكم، وأيضا لمؤمرات خارجية حاكها أندلسيون ونصارى.
يفيد الاغتيال الهلاك، ويتضمن معنى مزدوجا: القتل عمدا، والقتل على غرة، ويرادف الفتك. وقد ميز اللغويون الاغتيال عن الفتك، فالاغتيال إذا قَـتَـل طرف آخر من حيث لا يعلم، والفتك إذا قتله من حيث يراه وهو غافل غير مستعد. وتدخل الحالتان في الغدر. أي اغتيال لسلطان هو محو لشكل من أشكال الحكم وإلغاؤه.
تستوقف المطلع على المسار السياسي للدولة المرينية ظاهرة اغتيال أمرائها وسلاطينها، وإن لم تكن بالجديدة في المشهد السياسي للدول المركزية التي حكمت المغرب خلال العصر الوسيط، ولاسيما الدولة الموحدية مع بعض الاختلافات تبعا للسياقات التاريخية لكل واحدة منهما.
حَكمَ الدولة المرينية، حسب أغلب الروايات، سبعة وعشرون أو ثمانية وعشرون سلطانا، اغتيل منهم خمسة عشرة أي بنسبة تفوق النصف بقليل، وهي نسبة ليست بالهينة، تستدعي كشف النقاب عنها لأجل فهم ما جرى. علما أن هذه النسبة لا تفصح عن كل الحقيقة بالنسبة لعمليات اغتيال سلاطين بني مرين، فقد كانت هناك مشاريع اغتيال سلاطين آخرين لم تكلل بالنجاح، أبرزها مشروع اغتيال أبي الحسن ثم محاولة اغتيال أبي عنان قبل نجاح المحاولة الثانية.
سيناريوهات عمليات الاغتيال
تعددت سيناريوهات اغتيال سلاطين بني مرين وتنوعت، من ضرب بالحراب مثل ما حدث لعثمان بن عبد الحق في عام 638هـ/1239م، وطعن يوسف بن يعقوب في عام 706هـ/ 1307م، وتسميم بالطعام أو عبر اللباس شأن أبي ثابت في عام 708هـ/ 1308م، وأبي الربيع في 710هـ/ 1310م، وأبي فارس في عام 788هـ/ 1384م، وخنق أبي عنان في عام 759هـ/ 1358م وكذلك أبي زيان في عام 760هـ/ 1359م، وإغراق أبي يحيى في البحر في عام 760هـ/ 1358م، وإغراق محمد المكنى أبا زيان في بئر عام 767هـ/ 1366م، وذبح عبد الحق في عام 869هـ/ 1465م. ومن خلال هذه السيناريوهات، يبدو أن التسميم شكل الوسيلة الأكثر استعمالا في اغتيال هؤلاء السلاطين، وتظهر في مجموعها، سهولة اختراق الجهاز الحاكم المريني في أعلى مستوياته.
تتمة الملف تجدونها في العدد 60 من مجلتكم «زمان»