اعتلت شجرة الدر، المتحدرة من القوقاز، عرش مصر وسوريا سنة 1250. أصبحت هذه المرأة الفريدة سلطانة القاهرة، بعدما عانت من الرق، وذلك بفضل دهائها وجمالها وقصة حب.
كأن الزمن توقف داخل قلعة المنصورة يوم 23 نونبر 1249، عندما توفي الصالح أيوب، السلطان الأيوبي، بعد معاناة مع المرض. لم تملك أرملته، شجرة الدر، وقتا لبكائه إذ كانت الحرب مستعرة خارج أسوار القلعة، حيث يقف لويس التاسع، الملك الإفرنجي، بجيشه على أبواب المدينة. كيف يمكن درء الخطر وقد فقدت مصر قائد جيشها؟ كانت الحيرة تؤرق، على الخصوص، رجلين من رجال السلطان الراحل، فخر الدين وجمال الدين محسن. إليهما أسر الصالح أيوب، قبيل وفاته، موصيا «إذا أصابني مكروه، اتبعوا تعليمات وأوامر شجرة الدر»، كما تكتب ديما دروبي في روايتها التاريخية “سلطانة القاهرة”. كانت الأرملة الشابة تدرك جيدا ما يجب عليها القيام به: كتمان خبر الوفاة، تفاديا لتأثير النبأ على معنويات الجيش واستقواء الأعداء. هكذا أشرفت على نقل الجثمان ليلا عبر قارب نحو القاهر، حيث دفن خفية في قصره الواقع على جزيرة الروضة. ثم عينت فخر الدين، المقرب منها، قائدا للجيش.
استمرت شجرة الدر في تبليغ التعليمات للوالي في القاهرة، قصد تدبير الأمور الجارية بشكل طبيعي. ثم عملت على إبعاد الزوار عن جناح السلطان، المتوفى، عبر حجاب أسدلته، وكأن شيئا لم يكن. نجحت الحيلة. لكن الإفرنج اقتحموا المنصورة. «لم تتردد شجرة الدر في ارتداء اللباس الحربي، ونزلت تعبئ الناس في أزقة المدينة وترفع معنويات جنودها (…) انتشر نبأ نزولها إلى الأزقة انتشار النار في الهشيم»، وفق رواية ديما دروبي. أثر نداء شجرة الدر في السكان والجنود، ورفع معنوياتهم وروحهم القتالية. بعدما اقتحموا أسوار القلعة، اندحر فرسان الحملة الصليبية في وجه جيش المماليك، أولئك العبيد المتحدرين من القوقاز وأوربا الشرقية، المحاربين تحت لواء الدولة الأيوبية.
نينا كوسلوفسكي
تتمة الملف تجدونها في العدد 39 من مجلتكم «زمان»