يرى عبد اللطيف أكنوش، الأستاذ الجامعي، أن فرض الأمن والسكينة في المجتمع المغربي كان من وظائف الإمام، أو الخليفة، أو السلطان، أو رئيس الدولة. وأن القيام بهذه الوظائف لم يكن يخرج عما ألفه المسلمون في الشرق والأندلس في إطار نظام الخلافة الإسلامية. ويعتبر أكنوش أن اصطدام المغرب بأوربا منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان له الفضل الكبير على المغرب في التعرف على مفهومي الأمن والشرطة كما هو متعارف عليه كونيا.
ماذا نعرف عن الأشكال التي كان يحفظ بها الأمن والنظام العام على عهد الدول القوية في تاريخ المغرب الوسيط، الموحدين والمرابطين مثلا؟
يجب أولا أن نتفق عما نقصده بمفهومي “الأمن” و”الشرطة” حتى نعرف ما نحن بصدد الحديث عنه. الأمن هو مجموعة من الوظائف التي تمتلكها الدولة من أجل الحفاظ على أرواح وأموال المواطنين، وكذا التصدي إلى كل ما من شأنه أن يزعزع أركان المجتمع والدولة.وهذه الوظائف تتقلدها وتمارسها مجموعة من العناصر البشرية المنذورة لهذا العمل.
أما مفهوم الشرطة، أو “Police”، فقد كان مرادفا لكلمة “الحاضرة” أو “المدينة” عند اليونان تحت مسمى
La cité أو pólis، وعليه فالمفهوم يحيل على ضرورة وجود قوانين وتنظيمات تصدرها الدولة، وتعهد بتطبيقها لهيئة من “الموظفين” المنتخبين، بقصد تنظيم العلاقات بين الأفراد، وبين الأفراد ومؤسسات الدولة لضمان العيش المشترك في الشارع العام والأسواق والموانئ وفي جميع الفضاءات العمومية للمدينة…
انطلاقا من هذا التعريف للأمن والشرطة الذي تحدثت عنه، هل يمكن القول إن المغرب عرف المفهومين؟
أشير إلى أن الذين كتبوا عن تاريخ المغرب في العصور الوسطى، بل وحتى حدود القرن التاسع عشر، كانوا عادة ما يعودون لفقهاء “السياسة الشرعية” كالماوردي أو الطرطوشي أو غيره لينقلوا إلينا “الأخبار” عن الأمن والشرطة، فيكون بذلك ما كتبوه مزيجا بين “ماهو قائم وكائن” وبين “ما يجب أن يكون”، ولا يتحدثون عادة إلا عن الأمن في الحواضر، وليس على الأمن والشرطة في البوادي والجبال، أي ما سمي في تاريخ المغرب بـ”بلاد السيبة”، أي الجزء الكبير من المغرب الذي كان رافضا على الدوام للسلطة الزمنية وتأدية الضرائب للسلطان وعاصمته !
حاوره يونس مسعودي
تتمة الملف تجدونها في العدد 49 من مجلتكم «زمان»