اعتمدت فرنسا في غزو المنطقة السلطانية على بعض كبار القياد التقليديين توفيرا لأرواح جنودها وتكاليف الغزو. استفاد هؤلاء بترسيخ نفوذهم وتوسيعه، وأصبحوا ملوكا غير متوجين، يملكون القدرة على عزل سلطان وتعيين آخر.
لعبت «سياسة القياد» دورا أساسيا في استكمال السيطرة الاستعمارية الفرنسية على المغرب في السنوات التي تلت بداية الغزو العسكري للبلاد وتوقيع معاهد الحماية. استطاع الماريشال ليوطي أن يدرك أهمية الاعتماد على هؤلاء الملوك غير المتوجين في المناطق التي يتولون حكمها، نيابة عن السلطان، في تحقيق أهداف فرنسا. بلغ المخزن المركزي آئنذ درجة عميقة من التفكك والوهن، مقابل ثبات العديد من ممثليه المحليين في مواقعهم. هكذا تمكن بعض القياد من الحفاظ على سلطتهم بل وتوريثها لخلفائهم، بينما عجز سلطانان مركزيان عن ذلك، أي عبد العزيز وعبد الحفيظ اللذان فرض عليهما الرحيل عن العرش بين سنتي 1908 و1912. في هذه الظروف المضطربة، استفادت فرنسا من القياد في غزو المغرب ومواجهة المقاومين، واستفاد هؤلاء القياد من الغزاة الفرنسيين في ترسيخ سلطتهم وتوسيع مناطق نفوذهم، حتى بلغ الأمر بالوجه الأبرز بينهم، الباشا التهامي الكلاوي، لتزعم حركة التمرد ضد محمد الخامس. لكن الحماة الفرنسيين لهؤلاء القياد المتواطئين ظلوا حريصين على تأطير دورهم تحت راية السلطان، ولو أن نفوذه الفعلي عليهم لم يكن ذا قيمة.
ضرب المغاربة بالمغاربة
يبدو أن هاجس استكمال الغزو العسكري للمغرب كان من الأسباب الرئيسة التي دفعت الماريشال ليوطي لصياغة سياسة القياد الكبار. فرغم توقيع معاهدة الحماية سنة 1912 واحتلال العديد من المناطق الحدودية شرق المملكة والمدن الساحلية، لم تتمكن فرنسا من الإخضاع التام لـ«المنطقة السلطانية» إلا في سنة 1934. سمى الفرنسيون عملية الغزو هاته بـ«التهدئة»، على أساس أن «الجهاد» أو المقاومة المغربية للغزاة ليست سوى «سيبة» من السيبات التي طالما واجهها المخزن المركزي قبل الحماية. لذلك، اهتدى الفرنسيون إلى التعاون مع بعض القياد الكبار ليتولوا بأنفسهم الحرب على المقاومين.
إسماعيل بلاوعلي
تتمة المقال تجدونها في العدد 17 من مجلتكم «زمان»