هذا عصر سيء. وحتى لو لم أمت غدا وشخت. فلن أجد ما أحكي لأولادي عنه. ولا فكرة واحدة تستحق. ولا موضة جديدة. ولا أغنية. والذين يعيشون في هذا العصر يلوكون الماضي. كلنا نتكئ عليه لنستمر على قيد الحياة. ماذا سنقول لهم. ماذا سنقول لأولادنا. كان عندنا ويفي في البيت وفي المقاهي. وهواتف ذكية. وقنوات كثيرة. وفيسبوك. وكان عندنا بنكيران. وكان عندنا سعد لمجرد. ومسلسل طويل لا ينتهي. هذا عصر سيء يعيش عالة على ما سبقه. وقد سمعتهم في فيدرالية اليسار يقولون إن مغربا آخر ممكن. لا أظن ذلك. في العالم كله انتهى كل شيء. وليس في المغرب فحسب. ولا جديد تحت الشمس. وليس لنا ما نحكيه. لا قصص لنا في المستقبل لنرويها للأحفاد. ولا بطولات.
وقد قالها لي صديق. قال لي كان عندنا الظلمي في الماضي. وكان عويطة. وكانت نوال المتوكل. وكانت انتصارات. وكان عبد الرحيم بوعبيد. وكان يمين. وكان يسار. وكانت أحزاب وسياسة. وكان ناس الغيوان. وسلطة واضحة. ومعارضة واضحة. ويقول الغارقون في الحنين كان الناس يلبسون بأناقة. وكانوا متمدنين. وكانوا يشترون الكتب. ويتفرجون في الكرة بربطات العنق، وكانوا ينتظرون صدور الأعداد الجديدة من المجلات. ويذهبون إلى المسرح وفي الغالب هم على حق.
هذا عصر سيء. ولا مسرح فيه، وكما تكونون يولى عليكم. وليس في الإمكان أحسن مما كان. كأن كل شيء انتهى. بل فعلا هذا ما حصل. ثم ماذا سنحكي. لا شيء قابل للحكي. وماذا سيحكي الكبير للصغير غدا عن هذا العصر. بينما الناس كلهم غارقون في فيسبوك.
لا بنطلونات شارلستون. ولا سمورف حتى. ولا ديسكو. ولا بوب مارلي. ولا مايكل جاكسون. ولا ثورات كالثورات. وكل جديد مغشوش ومنسوخ ومن صنع صيني. أما البنات فقد صرن يلبسن السراويل. كلهن يلبسنها. وصارت التنورة طويلة أو قصيرة حكاية من الماضي. وصارت خطرا على من ترتديها. حتى المنع حرمنا منه هذا العصر. ولم تعد السلطة تمنع الكتب. ولا الجرائد. ولا الأغاني. ولا الأفلام. كل شيء مسموح به اليوم. لكنها ليست الحرية. بل اللامبالاة. ولأن السلطة لم تعد تشعر بالخطر. واستوعبت جيدا ما وقع. وقد عوضت الوفرة الآن كل شيء. لكنها ليست مقياسا. ولا أحد يتوقع أن يحصل حدث ما. الإسلاميون هم الشيء الوحيد المخترع. ونترقب إلى أين سيذهب هذا الماضي الذي يزحف على الحاضر. كأن الدنيا مقلوبة اليوم عاليها على سافلها. وفي السينما ليس هناك إلا “الرومايك”، وفي الرواية وفي الشعر وفي السياسة وفي الفلسفة. كل ما هناك تنويع على ما سبق. حتى الحكايات انتهت، وما يكتب وما يحدث مجرد تنويع على الماضي.
هذا عصر سيء. وكل ما فيه “سبقت رؤيته”. والمغنون يعيدون الأغاني القديمة ويربحون منها الأموال. واليسار يتحدث عن أمجاده. والحاضر لم يأت بعد إلى المغرب. لقد توقف الزمن. ومكانك سر. بينما نلح بشكل غريب على الويفي. الكل يسأل عنه. وهناك من يمرض ويحزن ويتألم ويضطرب نفسيا إذا غاب، كأننا سنكتشف جديدا من خلاله، وكأن الحياة متوقفة على الويفي. والحال أن كل ما نراه ماثلا أمام أعيننا هو مجرد إعادة تدوير. هذا عصر سيء. وأفضل ما فيه مسروق، ومكرر. والجديد فيه والنجم وما يقبل عليه الناس هو الدكتور محمد الفايد الذي اكتشف حقيقة الشوكلاتة. واكتشف خنزيرا في الياغورث. وأن أكله حرام. وهم المؤثرون في المواقع الاجتماعية. وهم حماة الأخلاق. هذا عصر سيء ودجال. لكن واهم من يعتقد أنه قادر على أن يغيره، وسوف نعيشه إلى آخره. كما هو. لكنه عصر جميل على أي حال. بالفراغ الذي يسكنه. وبتخلصه من كل الأوهام. إذ لم يعد الواحد يحلم فيه بأي شيء. وبعد أن هدأ روع اليسار وتخلوا عن إيمانهم بأن جنتهم موجودة في الأرض. ها هم الإسلاميون يتنازلون بتردد عن “الإسلام هو الحل”. هذا عصر سيء. لكن الحياة فيه ممتعة. وخالية من الأوهام والإيديولوجيات. والأهم فيها هو الويفي. كل شيء متوقف على وجوده. وحفاظا عليه نحميه بأرقام سرية. هذا عصر الإجابات. والسؤال الوحيد الذي يطرحه الناس: هل عندك ويفي.
حميد زيد